للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومعنى الحديث: أنَّ تركيب هذه العظام وسلامتها مِن أعظم نِعَمِ الله على عبده، فيحتاج كلُّ عظم منها إلى صدقة يتصدق ابنُ آدم عنه، ليكونَ ذلك شكراً لهذه النعمة. قال الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (١)، وقال - عز وجل -: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} (٢)، وقال

: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٣)، وقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} (٤)،

قال مجاهد: هذه نِعَمٌ من الله متظاهرةٌ يقرِّرُكَ بها كيما تَشكُر (٥)،

وقرأ الفُضيلُ ليلةً هذه الآية، فبكى، فسئل عن بكائِهِ، فقال: هل بتَّ ليلة شاكراً لله أنْ جعل لك عينين تُبصر بهما؟ هل بتَّ ليلةً شاكراً لله أنْ جعل لك لساناً تنطق به؟ وجعل يعدِّد من هذا الضرب.

وروى ابنُ أبي الدُّنيا (٦) بإسناده عن سلمانَ الفارسي، قال: إنَّ رجُلاً بُسِطَ له مِنَ الدُّنيا، فانتزع ما في يديه، فجعل يحمَدُ الله - عز وجل -، ويُثني عليه، حتَّى لم يكن له فراش إلا بوري (٧)، فجعل يَحمد الله، ويُثني عليه، وبسط للآخر من الدنيا، فقال لصاحب البُوري: أرأيتك أنتَ على ما تحمد الله - عز وجل -؟ قال: أحْمَدُ اللهَ على ما لو أُعْطِيتُ به ما أُعْطِيَ الخَلقُ، لم أُعْطِهِمْ إيَّاه، قال: وما ذاك؟ قال: أرأيتَ بصرَك؟ أرأيت لسانَك؟ أرأيت يديك؟ أرأيت رجليك؟

وبإسناده عن أبي الدرداء أنَّه كان يقول: الصِّحَّةُ غِنى الجسد (٨).

وعن يونس بن عبيد: أنَّ رجلاً شكا إليه ضِيقَ حاله، فقال له يونس: أيسُرُّك أنَّ لك ببصرك هذا الذي تُبصِرُ به مئة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبيدك مئة ألف


(١) الانفطار: ٦ - ٨.
(٢) الملك: ٢٣.
(٣) النحل: ٧٨.
(٤) البلد: ٨ - ٩.
(٥) لم أقف على قول مجاهد وما وجدته عن قتادة.

أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٨٨٩١)، وابن أبي حاتم في " تفسيره " (١٩٣١٩).
(٦) في " الشكر " (١٠٠)، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (٤٤٦٢).
(٧) فارسي معرب وهو الحصير المعمول من القصب. لسان العرب ١/ ٥٣٦ (بور).
(٨) الشكر (١٠٢).
وأخرجه: ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ٢٥/ ١٢٥.

<<  <   >  >>