للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لينظر العبدُ في نعم الله عليه في بدنه وسمعه وبصرِه ويديه ورجليه وغير ذلك، ليس من هذا شيءٌ إلاَّ وفيه نعمةٌ من الله - عز وجل -، حقٌّ على العبد أنْ يعملَ بالنِّعم التي في بدنه لله - عز وجل - في طاعته، ونعمة أخرى في الرزق، حق عليه أنْ يعمل لله - عز وجل - فيما أنعم عليه مِنَ الرِّزق في طاعته، فمن عمل بهذا، كان قد أخذ بحزم الشُّكر وأصله وفرعه (١). ورأى الحسن رجلاً يتبختر في مشيته، فقال: للهِ في كُلِّ عُضوٍ منه نعمة، اللهمَّ لا تجعلنا ممن يتقوَّى بنعمك على معصيتك.

الدرجة الثانية من الشكر: الشكر المستحبُّ، وهو أنْ يعملَ العبدُ بعد أداءِ الفرائض، واجتنابِ المحارم بنوافل الطَّاعات، وهذه درجةُ السَّابقين المقرَّبين، وهي التي أرشد إليها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث التي سبق ذكرُها، وكذلك كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في الصَّلاة، ويقوم حتَّى تتفطَّر قدماه، فإذا قيل له: أتفعلُ هذا وقد غَفَرَ الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: «أفلا أكونُ عبداً شكوراً؟» (٢).

وقال بعضُ السَّلف: لما قال الله - عز وجل -: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} (٣)، لم يأتِ عليهم ساعةٌ من ليلٍ أو نهارٍ إلاَّ وفيهم مصلٍّ يُصلي (٤).

وهذا مع أنَّ بعضَ هذه الأعمال التي ذكرها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - واجبٌ: إمَّا على الأعيان، كالمشي إلى الصلاة عندَ من يرى وجوبَ الصَّلاة في الجماعات في المساجد، وإما على الكفاية، كالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وإغاثة الملهوف، والعدلِ بينَ الناسِ، إمَّا في الحكم بينهم، أو في الإصلاح. وقد روي من حديث عبد الله بن عمرو، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أفضلُ الصَّدقةِ إصلاحُ ذات البين» (٥).

وهذه الأنواع التي أشار إليها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الصدقة، منها ما نفعُهُ متعدٍّ كالإصلاح،


(١) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " الشكر " (١٨٨).
(٢) أخرجه: البخاري ٢/ ٦٣ (١١٣٠) و ٦/ ١٦٩ (٤٨٣٦)، ومسلم ٨/ ١٤٠ (٢٨١٩) (٧٩) و (٨٠).
(٣) سبأ: ١٣.
(٤) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " الشكر " (٧٤)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (٤٥٢٤) عن مسعر بن كدام.
(٥) أخرجه: عبد بن حميد (٣٣٥)، والبزار كما في " كشف الأستار " (٢٠٥٩)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (١٢٨٠)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (١١٠٩٢)، وهو حديث ضعيف لضعف عبد الرحمان بن زياد الإفريقي، وهو يروي هنا عن شيخ مجهول.

<<  <   >  >>