للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومِنْ ذلك القصص، وقد سبق قولُ غضيف بن الحارث: إنَّه بدعةٌ، وقال الحسن: القصص بدعةٌ، ونعِمَت البدعةُ، كم من دعوة مستجابة، وحاجة مقضية، وأخٍ مستفاد (١). وإنَّما عني هؤلاء بأنَّه بدعة الهيئة الاجتماعية عليه في وقت معين، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له وقت معيَّن يقصُّ على أصحابه فيهِ غير خطبه الراتبة في الجُمَعِ والأعياد، وإنَّما كان يذكرهم أحياناً، أو عندَ حدوث أمرٍ يحتاجُ إلى التَّذكير عنده، ثم إنَّ الصحابة اجتمعوا على تعيين وقتٍ له كما سبق عن ابنِ مسعودٍ: أنَّه كان يُذَكِّرُ أصحابه كلَّ يوم خميس.

وفي " صحيح البخاري " (٢) عن ابن عبَّاسٍ قال: حدِّث الناس كلَّ جمعة مرَّةً، فإنْ أبيتَ فمرَّتين، فإنْ أكثرت، فثلاثاً، ولا تُمِلَّ الناس.

وفي " المسند " (٣) عن عائشة أنَّها وصَّت قاصَّ أهلِ المدينة بمثل ذلك. وروي عنها أنَّها قالت لعُبيد بن عُميرٍ: حدِّثِ النَّاسَ يوماً، ودعِ النَّاس يوماً، لا تُملَّهم (٤). وروي عن عمر بن عبد العزيز أنَّه أمر القاصَّ أنْ يقصَّ كلَّ ثلاثة أيام مرَّة. ورُوي عنه أنَّه قال له: روِّح الناسَ ولا تُثقِلْ عليهم، ودَعِ القَصَصَ يوم السبت ويوم الثلاثاء.

وقد روى الحافظ أبو نعيم (٥) بإسناده عن إبراهيم بن الجنيد، حدثنا حرملة ابن يحيى قال: سمعتُ الشافعي - رحمة الله عليه -

يقول: البدعة بدعتان: بدعةٌ محمودةٌ، وبدعة مذمومةٌ، فما وافق السنة فهو محمودٌ، وما خالف السنة فهو مذمومٌ. واحتجَّ بقول عمر: نعمت البدعة هي.

ومراد الشافعي - رحمه الله - ما ذكرناه مِنْ قبلُ: أنَّ البدعة المذمومة ما ليس لها أصل منَ الشريعة يُرجع إليه، وهي البدعةُ في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة، يعني: ما كان لها أصلٌ مِنَ السنة يُرجع إليه، وإنَّما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً؛ لموافقتها السنة.


(١) انظر: كشف الظنون ٢/ ١٩٠٩، وأبجد العلوم ٢/ ٥٣٦.
(٢) الصحيح ٨/ ٩١ (٦٣٣٧).
(٣) مسند الإمام أحمد ٦/ ٢١٧.
(٤) أخرجه: ابن سعد في " طبقاته " ٦/ ١٦.
(٥) في " الحلية " ٩/ ١١٣.

<<  <   >  >>