للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وعن محمد بن كعب أنَّه قال لعائشة: ما يمنعك أنْ تتخذي لحافاً (١) من

الفراء؟ قالت: أكره أنْ ألبس الميتة.

وروى عبد الرزاق (٢) بإسناده عن ابن مسعود: أنَّه قال لمن نزلَ من المسلمين بفارس: إذا اشتريتُم لحماً فسلوا، إنْ كان ذبيحةَ يهودي أو نصراني فكُلوا، وهذا لأنَّ الغالب على أهل فارس المجوس وذبائحُهم محرَّمةٌ.

والخلاف في هذا يُشبه الخلاف في إباحة طعام من لا تُباح ذبيحته من الكفَّار، وفي استعمال أواني المشركين وثيابهم، والخلاف فيها يرجعُ إلى قاعدةِ تعارُض الأصل

والظاهر، وقد سبق ذكرُ ذلك في الكلام على حديث: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات» (٣).

وقوله في الأشياء التي سكت عنها: «رحمة من غير نسيان» (٤) يعني: أنَّه إنَّما سكت عن ذكرها رحمةً بعباده ورفقاً؛ حيث لم يحرِّمْها عليهم حتّى يُعاقبَهم على فعلها، ولم يُوجِبها عليهم حتّى يعاقبَهم على تركها، بل جعلها عفواً، فإنْ فعلوها، فلا حرجَ عليهم، وإنْ تركوها فكذلك، وفي حديث أبي الدرداء (٥): ثم تلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} (٦) ومثلُه قوله - عز وجل -: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا

يَنْسَى} (٧).

وقوله: «فلا تبحثوا عنها» يحتمِلُ اختصاص هذا النهي بزمن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ كثرةَ البحث والسؤال عمَّا لم يذكر قد يكونُ سبباً لنزول التَّشديد فيه بإيجابٍ أو تحريمٍ، وحديث سعد بن أبي وقَّاص (٨) يدلُّ على هذا، فيحتمل أنْ يكون النَّهيُ عامَّاً، والمروى عن سلمان من قوله يدلُّ على ذلك، فإنَّ كثرة البحث والسُّؤال عن حكمٍ ما لم يُذكر في الواجبات ولا في المحرمات، قد يُوجِب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه؛


(١) سقطت من (ص).
(٢) في " المصنف " (٨٥٧٨).
(٣) سبق تخريجه. انظر: الحديث السَّادس.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) سبق تخريجه.
(٦) مريم: ٦٤.
(٧) طه: ٥٢.
(٨) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>