للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومما يدخل في النَّهي عن التعمُّق والبحث عنه: أمورُ (١) الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يُبين كيفيتها، وبعضُها قد لا يكونُ له شاهدٌ في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفيَّة ذلك هو ممَّا لا يعني، وهو مما يُنهى عنه، وقد يوجِبُ الحيرة والشَّكَّ، ويرتقي إلى التَّكذيب.

وفي " صحيح مسلم " (٢) عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا يزال النَّاس يَسألون حتّى يقال: هذا الله خلَقَ الخَلْق، فمن خلق الله؟ فمن وجد مِنْ ذَلِكَ شيئاً، فليقل: آمنت بالله»، وفي روايةٍ (٣) لهُ: «لا يزالُ النَّاسُ يسألونَكم عَنِ العِلم، حتّى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟» وفي روايةٍ له أيضاً (٤):

«لَيسألَنَّكُم النَّاسُ عَنْ كلِّ شيءٍ، حتى يقولوا: الله خلق كلَّ شيءٍ، فمن خلقه؟». وخرَّجه البخاري (٥)، ولفظه: «يأتي الشيطان أحدَكُم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فليستعذْ بالله ولينتَهِ».

وفي " صحيح مسلم " (٦) عن أنس، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «قال الله - عز وجل -: إنَّ أمَّتك لا يزالون يقولون: ما كذا ما كذا، حتّى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟».

وخرَّجه البخاري (٧)، ولفظه: «لن يبرحَ الناس يتساءلون: هذا الله خالِقُ كلِّ شيءٍ، فمن خلق الله؟».

قال إسحاق بن راهويه: لا يجوزُ التفكُّر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكَّروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك؛ لأنَّهم إنْ فعلوا تاهوا، قال: وقد قال الله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (٨)، فلا يجوز أنْ يقال: كيف تُسبِّحُ القِصَاعُ، والأَخْوِنَةُ، والخبزُ المخبوزُ، والثِّيابُ المنسوجة؟ وكلُّ هذا قد صحَّ العلم فيهم أنَّهم يسبحون، فذلك إلى الله أنْ يجعل تسبيحَهم كيف شاء وكما شاء،


(١) من قوله: «على بعد فافهموا … » إلى هنا سقط من (ص).
(٢) الصحيح ١/ ٨٣ (١٣٤) (٢١٢).
(٣) الصحيح ١/ ٨٤ (١٣٥) (٢١٥).
(٤) الصحيح ١/ ٨٥ (١٣٥) (٢١٦).
(٥) في " صحيحه " ٤/ ١٤٩ (٣٢٧٦).
(٦) الصحيح ١/ ٨٥ (١٣٦) (٢١٧).
(٧) في " صحيحه " ٩/ ١١٩ (٧٢٩٦).
(٨) الإسراء: ٤٤.

<<  <   >  >>