وقد تكاثرت الأحاديثُ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالاستعفاف عن مسألة الناس والاستغناء عنهم، فمن سألَ النّاس ما بأيديهم، كرهوه وأبغضوه؛ لأنَّ المال محبوبٌ لنفوس بني آدم، فمن طلب منهم ما يحبُّونه، كرهوه لذلك.
وأما من كان يرى المِنَّة للسائل عليه، ويرى أنَّه لو خرج له عن مُلكِه كُلِّه، لم يفِ له ببذل سؤاله له وذِلَّته له، أو كان يقول لأهله: ثِيابُكم على غيركم أحسن منها عليكم، ودوابُّكم تحتَ غيركم أحسن منها تحتكم، فهذا نادرٌ جداً من طباع بني آدم، وقد انطوى بساطُ ذلك من أزمانٍ متطاولةٍ.
وأما من زهد فيما في أيدي الناس، وعفَّ عنهم، فإنَّهم يحبُّونه ويُكرمونه لذلك ويسود به عليهم، كما قال أعرابيٌّ لأهل البصرة: من سيِّدُ أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بما سادهم؟ قالوا: احتاجَ الناسُ إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم (١)، وما أحسن قول بعض السَّلف في وصف الدُّنيا وأهلها:
وما هِيَ إلاَّ جِيفةٌ مستحيلةٌ … عليها كلابٌ هَمُّهُنَّ اجتذابُها