منها: اللقطة إذا جاء من وصفها، فإنَّها تُدفَعُ إليه بغير بيِّنَةٍ بالاتفاق، لكن منهم من يقول: يجوزُ الدَّفْعُ إذا غلب على الظَّنِّ صِدقُهُ، ولا يجبُ، كقول الشافعي وأبي حنيفة، ومنهم من يقول: يجب دفعُها بذكرِ الوصف المطابق، كقول مالك وأحمد.
ومنها: الغنيمة إذا جاء من يدَّعي منها شيئاً، وأنَّه كان له، واستولى عليه
الكفّار، وأقام على ذلك ما يُبيِّنُ أنَّه له اكتُفي به، وسُئِلَ عن ذلك أحمد وقيل له: فيريد على ذلك بينة؟ قالَ: لابدَّ مِنْ بيانٍ يدلُّ على أنَّه لهُ، وإنْ علم ذَلِكَ، دفعه إليه الأمير. وروى الخلال بإسناده عن الرُّكين بن الربيع، عن أبيه قالَ: جشر لأخي فرس بعين التمر، فرآه في مربط سعدٍ، فقالَ: فرسي، فقالَ سعد: ألك بينة؟ قال: لا، ولكن أَدْعُوه، فَيُحَمْمِمُ، فدعاه فحمحم، فأعطاه إيّاه (١)،
وهذا يحتمل أنه كان لحق بالعدوِّ، ثم ظهر عليه المسلمون، ويحتمل أنَّه عرف أنه ضالٌّ، فوضع بين الدواب الضالة، فيكون كاللقطة.
ومنها الغصوب إذا علم ظلم الولاة، وطلب ردَّها من بيت المال، قال أبو الزناد: كان عمرُ بنُ عبد العزيز يردُّ المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، كان يكتفي باليسير، إذا عرف وجه مَظْلمةِ الرَّجُلِ ردَّها عليه، ولم يكلِّفْهُ تحقيقَ البيِّنةِ، لما يعرف مِنْ غشم الوُلاة قبله على الناس، ولقد انفد بيت مال العراق في ردِّ المظالم حتى حُمِلَ إليها مِنَ الشَّامِ، وذكر أصحابُنا أنَّ الأموالَ المغصوبةَ مع قُطَّاعِ الطَّريق واللصوص يُكتفى مِن مدَّعيها بالصِّفَة كاللقطة، ذكره القاضي في خلافه، وأنَّه ظاهرُ كلام أحمد.
(١) أخرجه: ابن الجعد في " مسنده ": ٣٣٨ (٢٣٢٤)، وطبعة الفلاح ٢/ ٨٦٦ (٢٤١٥).