للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: يا رسول الله، أيُّ الشُّهداءِ أكرم على الله؟ قال: «رجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمره بمعروفٍ، ونهاه عن المنكر فقتله».

وقد رُوي معناه من وجوه أُخر كلُّها فيها ضعفٌ (١).

وأما حديثُ: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه» (٢)، فإنَّما يدلُّ على أنَّه إذا عَلِمَ أنَّه لا يُطيق الأذى، ولا يصبرُ عليه، فإنّه لا يتعرَّض حينئذٍ للآمر، وهذا حقٌّ، وإنَّما الكلامُ فيمن عَلِمَ من نفسه الصَّبر، كذلك قاله الأئمَّةُ، كسفيانَ وأحمد، والفضيل بن عياض وغيرهم.

وقد رُوي عن أحمد ما يدلُّ على الاكتفاء بالإنكارِ بالقلب، قال في رواية أبي داود: نحن نرجو إنْ أنكَرَ بقلبه، فقد سَلِم، وإنْ أنكر بيده، فهو أفضل، وهذا محمولٌ على أنَّه يخاف كما صرَّح بذلك في رواية غيرِ واحدٍ. وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنَّه لا يقبلُ منه، وصحح القولَ بوجوبه، وهو قولُ أكثرِ العلماء. وقد قيل لبعض السَّلف في هذا، فقال: يكون لك معذرةٌ، وهذا كما أخبر الله تعالى عن الذين أنكروا على المعتدين في السَّبت أنَّهم قالوا لمن قال لهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (٣)، وقد ورد ما يستدلُّ به على سقوط الأمر والنهي عندَ عدم القَبول والانتفاع به، ففي

" سنن أبي داود " (٤) وابن ماجه (٥) والترمذي (٦) عن أبي ثعلبة الخشني أنَّه قيل له: كيف تقولُ في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (٧)، فقال: أما والله لقد سألتُ عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «بل ائتمِروا بالمعروف، وانتهُوا عن المنكرِ، حتى إذا رأيتَ شُحّاً مُطاعاً، وهوىً مُتَّبعاً، ودُنيا مُؤْثَرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوامِّ».


(١) انظر: مستدرك الحاكم ٣/ ١٩٥.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) الأعراف: ١٦٤.
(٤) (٤٣٤١).
(٥) (٤٠١٤).
(٦) في " جامعه " (٣٠٥٨)، وقال: «حسن غريب» على أنَّ في إسناد الحديث عمرو بن جارية، وهو مجهول الحال. …
(٧) المائدة: ١٠٥.

<<  <   >  >>