للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا كلُّه قد يُحمل على أنَّ من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضَّرر، سقط عنه، وكلامُ ابن عمر يدلُّ على أنَّ من عَلِمَ أنَّه لا يُقبل منه، لم يجب عليه، كما حُكي روايةً عن أحمد (١)، وكذا قال الأوزاعيُّ: مُرْ من ترى (٢) أنْ يقبلَ منك.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يُنكر بقلبه: «وذلك أضعفُ الإيمان» يدلُّ على أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ من خصال الإيمان، ويدلُّ على أنَّ من قدرَ على خَصلةٍ من خصال الإيمان وفعلها، كان أفضلَ مِمَّن تركها عجزاً عنها، ويدلُّ على ذلك أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - في حقِّ النساء: «أمَّا نُقصانُ دينها، فإنَّها تمكثُ الأيَّام واللَّيالي لا تصلِّي» (٣) يُشير إلى أيَّامِ الحيض، مع أنَّها ممنوعةٌ من الصَّلاةِ حينئذ، وقد جعل ذلك نقصاً في دينها، فدلَّ على أنَّ من قدَرَ على واجبٍ

وفعله، فهو أفضلُ ممَّن عجز عنه وتركه، وإنْ كان معذوراً في تركه، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رأى منكم منكراً» يدلُّ على أنَّ الإنكارَ متعلِّقٌ بالرُّؤية، فلو كان مستوراً فلم يره، ولكن علم به، فالمنصوصُ عن أحمد في أكثر الروايات أنَّه لا يعرِضُ له، وأنه لا يفتِّش على ما استراب به (٤)، وعنه رواية أخرى أنَّه يكشف المغطَّى إذا تحقَّقه، ولو سَمِعَ صوتَ غناءٍ محرَّمٍ أو آلات الملاهي، وعلم المكانَ التي هي فيه، فإنَّه يُنكرها، لأنه قد تحقَّق المنكر، وعلم موضعَه، فهو كما رآه، نصَّ عليه أحمد، وقال: إذا لم يعلم مكانَه، فلا شيءَ عليه.

وأما تسوُّرُ الجدران على من علم اجتماعَهم على منكرٍ، فقد أنكره الأئمَّةُ مثلُ سفيان الثَّوري وغيره، وهو داخلٌ في التجسُّس المنهيِّ عنه، وقد قيل لابن مسعود: إنَّ فلاناً تقطر لحيتُه خمراً، فقال: نهانا الله عَنِ التَّجسُّس (٥).


(١) أخرجه: الخلال في " السنة " (١١٥).
(٢) عبارة: «من ترى» سقطت من (ص).
(٣) أخرجه: أحمد ٢/ ٦٦، ومسلم ١/ ٦٠ (٧٩) (١٣٢)، وأبو داود (٤٦٧٩)، وابن ماجه (٤٠٠٣)، والطحاوي في "شرح المشكل" (٢٧٢٧)، من حديث عبد الله بن عمر، وصحَّ أيضاً من حديث غيره من الصحابة.
(٤) انظر: الورع لأحمد: ١٦٧.
(٥) أخرجه: عبد الرزاق (١٨٩٤٥)، وابن أبي شيبة (٢٦٥٦٨)، وأبو داود (٤٨٩٠)، والطبراني في " الكبير " (٩٧٤١)، والبيهقي في " السنن الكبرى " ٨/ ٣٣٤ وفي " شعب الإيمان "، له (٩٦٦١).

<<  <   >  >>