للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المتحابّان، فضحك أحدُهما إلى الآخر،

وتصافحا، تحاتت خطاياهما كما يتحاتُّ الورقُ من الشجر، فقيل له: إنَّ هذا ليسيرٌ مِنَ العمل، قال: تقولُ يسيرٌ والله يقولُ: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمُه، ولا يَخذُلُه، ولا يَكذِبُه، ولا يَحقِرُه». هذا مأخوذ من قوله - عز وجل -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (٢)، فإذا كان المؤمنون إخوةً، أُمروا فيما بينهم بما يُوجب تآلُفَ القلوب واجتماعَها، ونُهوا عمَّا يوجبُ تنافرَ القلوب واختلافَها، وهذا من ذلك.

وأيضاً، فإنَّ الأخ مِنْ شأنه أنْ يوصِلَ إلى أخيه النَّفع، ويكفَّ عنه الضَّرر، ومن

أعظم الضرِّ الذي يجبُ كفُّه عَنِ الأَخِ المسلم الظُّلم، وهذا لا يختصُّ بالمسلم، بل هو محرَّمٌ في حقِّ كلِّ أحَدٍ، وقد سبق الكلام على الظُّلم مستوفى عندَ ذكر حديث أبي ذرِّ الإلهي: «يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّماً، فلا تظالموا» (٣).

ومِنْ ذلك: خِذلانُ المسلم لأخيه، فإنَّ المؤمن مأمورٌ أنْ يَنصُرَ أخاه،

كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «انصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، قال: يا رسولَ الله، أنصُرُهُ مَظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: «تمنعه عنِ الظُّلم، فذلك نصرُك إيَّاه». خرَّجه البخاري (٤) بمعناه من حديث أنس، وخرَّجه مسلم (٥) بمعناه من حديث جابر.

وخرَّج أبو داود (٦) من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابرِ بن عبد الله، عن النَّبيِّ

- صلى الله عليه وسلم -، قال: «ما مِن امرئٍ مسلمٍ يخذُلُ امرأً مسلماً في موضع تُنتَهكُ فيه حرمتُه، ويُنتقصُ فيه من عِرضه، إلاّ خذله الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه، وما مِن امرئٍ ينصرُ مسلماً في موضع يُنتقصُ فيه من


(١) الأنفال: ٦٣.
(٢) الحجرات: ١٠.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) في " صحيحه " ٣/ ١٦٨ (٢٤٤٤).
(٥) في " صحيحه " ٨/ ١٩ (٢٥٨٤) (٦٢).
(٦) في " سننه " (٤٨٨٤).
وأخرجه: أحمد ٤/ ٣٠، والبخاري في " التاريخ الكبير " ١/ ٣٧٤، ويعقوب بن سفيان في

" المعرفة " ١/ ٣٠٠، وفي إسناده مقال.

<<  <   >  >>