للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «التَّقوى هاهنا» يشير إلى صدره ثلاثَ مرَّاتٍ: فيه إشارةٌ إلى أنَّ كرم الخَلْق عند الله بالتَّقوى، فربَّ من يحقِرُه الناس لضعفه، وقلَّةِ حظِّه من الدُّنيا، وهو أعظمُ قدراً عند الله تعالى ممَّن له قدرٌ في الدُّنيا، فإنَّ الناسَ إنّما يتفاوتُون بحسب التَّقوى، كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (١)، وسئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أكرمُ الناسِ؟ قال: «أتقاهُم لله - عز وجل -» (٢).

وفي حديث آخر: «الكرمُ التَّقوى» (٣)، والتَّقوى أصلُها في القلب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (٤). وقد سبق ذكر هذا المعنى في الكلام على حديث أبي ذرٍّ الإلهي عند قوله: «لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم وإنسَكُم وجنَّكُم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً» (٥).

وإذا كان أصلُ التَّقوى في القُلوب، فلا يطَّلعُ أحدٌ على حقيقتها إلا الله - عز وجل -، كما

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله لا ينظرُ إلى صُورِكُم وأموالِكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم» (٦) وحينئذ، فقد يكونُ كثيرٌ ممَّن له صورةٌ حسنةٌ، أو مالٌ، أو جاهٌ، أو رياسةٌ في الدنيا، قلبه خراباً من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبُه مملوءاً مِنَ التَّقوى، فيكون أكرمَ عند الله تعالى، بل ذلك هو الأكثر وقوعاً، كما في " الصحيحين " (٧)


(١) الحجرات: ١٣.
(٢) أخرجه: ابن أبي شيبة (٣١٩١٩)، وأحمد ٢/ ٤٣١، والدارمي (٢٢٩)، والبخاري ٤/ ١٧٠ (٣٣٥٣) و ٤/ ٢١٦ (٣٤٩٠)، ومسلم ٧/ ١٠٣ (٢٣٧٨)، والنسائي في

" الكبرى " (١١٢٤٩) وفي " التفسير "، له (٢٦٩) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه: أحمد ٥/ ١٠، وابن ماجه (٤٢١٩)، والترمذي (٣٢٧١)، والطبراني في
" الكبير " (٦٩١٢) و (٦٩١٣)، والحاكم ٢/ ١٦٣ و ٤/ ٣٢٥ من طريق سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، به مرفوعاً، وقال الترمذي: «حديث صحيح غريب»؛ لكن سلام بن أبي مطيع في روايته عن قتادة ضعف، ثمَّ إنَّ الحسن لم يسمع كل ما رواه عن سمرة.
(٤) الحج: ٣٢.
(٥) سبق تخريجه، ويعني بـ (الإلهي): القدسي.
(٦) أخرجه: أحمد ٢/ ٢٨٥ و ٥٣٩، ومسلم ٨/ ١١ (٢٥٦٤) (٣٤)، وابن ماجه (٤١٤٣)، وابن حبان (٣٩٤)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٤/ ٩٨، والبغوي (٤١٥٠) من حديث أبي هريرة.
(٧) صحيح البخاري ٦/ ١٩٨ (٤٩١٨)، وصحيح مسلم ٨/ ١٥٤ (٢٨٥٣) (٤٦) و (٤٧).

<<  <   >  >>