للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدُهما: لا يحنَثُ، كما لا يَحنَثُ إذا فُعِلَ به ذلك كرهاً، ولم يقدر على الامتناع كما سبق، وهذا قولُ الأكثرين منهم.

والثاني: يَحنَثُ هاهنا؛ لأنَّه فعله باختياره بخلافِ ما إذا حُمِلَ، ولم يُمكنه الامتناعُ، وهو رواية عن أحمد وقول للشافعي، ومن أصحابه - وهو القفَّال - من فرَّق بين اليمين بالطَّلاق والعَتاق وغيرهما كما قلنا نحن في النَّاسي، وخرَّجه بعض أصحابنا وجهاً لنا.

ولو أُكره على أداءِ ماله بغيرِ حقٍّ، فباع عقارَه ليؤدِّي ثمنه، فهل يصِحُّ الشِّراءُ

منه أم لا؟ فيهِ روايتان عن أحمد، وعنه رواية ثالثة: إنْ باعه بثمن المثل، اشتُري منه، وإنْ باعه بدُونه، لم يشتر منه، ومتى رضي المكرَهُ بما أُكْرِهَ عليهِ لحُدوثِ رغبةٍ لهُ فيهِ بعدَ الإكراه، والإكراه قائمٌ، صحَّ ما صدرَ منه من العقود وغيرها بهذا القصد. هذا هو المشهورُ عند أصحابنا، وفيه وجهٌ آخر: أنَّه لا يَصِحُّ أيضاً، وفيه بُعد.

وأما الإكراه بحقٍّ، فهو غيرُ مانعٍ مِنْ لُزوم ما أكره عليه، فلو أُكره الحربيُّ على الإسلام فأسلم، صحَّ إسلامه، وكذا لو أكرهَ الحاكم أحداً على بيع ماله ليوفي دينه، أو أُكره المؤلي بعد مدَّة

الإيلاء وامتناعه مِنَ الفيئة على الطلاق، ولو حلف لا يُوفِّي دينَه، فأكرهه الحاكمُ على وفائه، فإنَّه يَحنَثُ بذلك؛ لأنَّه فعل ما حلف عليه حقيقةً على وجهٍ لا يُعذَرُ فيه. ذكره أصحابنا بخلاف ما إذا امتنع من الوفاء، فأدَّى عنه الحاكمُ، فإنَّه لا يحنَثُ؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه فعلُ المحلوف عليه.

<<  <   >  >>