للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الدُّنيا وطناً ومسكناً، فيطمئنّ فيها، ولكن ينبغي أنْ يكونَ فيها كأنَّه على جناح سفر: يُهَيِّئُ جهازَه للرحيل.

وقد اتَّفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنّه قال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (١).

وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مالي ولِلدُّنيا إنَّما مَثَلي ومَثَلُ الدُّنيا

كمثل راكبٍ قالَ (٢) في ظلِّ شجرةٍ ثم راحَ وتركها» (٣).

ومن وصايا المسيح - عليه السلام - لأصحابه أنَّه قال لهم: اعبُروها ولا تَعمُرُوها (٤)، ورُوي عنه أنَّه قال: من ذا الذي يبني على موجِ البحر داراً، تلكُمُ الدُّنيا، فلا تتَّخذوها قراراً (٥).

ودخل رجلٌ على أبي ذرٍّ، فجعل يُقلِّب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذرٍّ، أين متاعُكم؟ قالَ: إنَّ لنا بيتاً نوجه إليه، قالَ: إنَّه لابدَّ لك من مَتاع مادمت هاهنا، قالَ: إنَّ صاحب المنْزل لا يدعُنا فيه (٦).

ودخلوا على بعض الصالحين، فقلبوا بصرهم في بيته، فقالوا له: إنَّا نرى بيتَك بيتَ رجلٍ مرتحلٍ، فقال: أمرتحلٌ؟ لا، ولكن أُطْرَدُ طرداً.

وكان عليُّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - يقول: إنَّ الدُّنيا قدِ ارتحلت مدبرةً، وإنَّ الآخرة قدِ ارتحلت مقبلةً، ولكُلٍّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليومَ عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل (٧).


(١) غافر: ٣٩.
(٢) قال: من القيلولة، وهي الاستراحة نصف النهار، وإنْ لم يكن معها، يقال: قال يقيل قيلولة فهو قائل.
(٣) أخرجه: الطيالسي (٢٧٧)، وأحمد ١/ ٣٩١ و ٤٤١، وابن ماجه (٤١٠٩)، والترمذي (٢٣٧٧) من حديث ابن مسعود، وهو حديث صحيح.
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٨/ ١٤٥ عن وهيب المكي قال: «بلغني أنَّ عيسى - عليه السلام -، … » فذكره.
(٥) أخرجه: أحمد في " الزهد " (٣٢٥) عن مكحول، قال: «وقال عيسى، … » فذكره.
(٦) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (١٠٦٥١).
(٧) أخرجه: ابن المبارك في " الزهد " (٢٥٥)، وابن أبي شيبة (٣٤٤٩٥).

<<  <   >  >>