للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال وُهيب بنُ الورد (١): بلغنا - والله أعلم - أنَّ موسى - عليه السلام -، قال: يا ربِّ أوصني؟ قال: أوصيك بي، قالها ثلاثاً حتى قال في الآخرة: أوصيك بي أن لا يعرض لك أمرٌ إلا آثرت فيه محبتي على ما سواها، فمن لم يفعل ذلك لم أُزكِّه ولم أرحمه.

والمعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق: أنَّه الميلُ إلى خلاف الحقِّ، كما في قوله - عز وجل -: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} (٢)، وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (٣).

وقد يُطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقاً، فيدخل فيه الميل إلى الحقِّ وغيره، وربما استُعمِل بمعنى محبة الحقِّ خاصة والانقياد إليه،

وسئل صفوانُ بن عسّال: هل سمعتَ منَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يذكر الهوى، فقال: سأله أعرابيٌّ عن الرجل يُحبُّ القومَ ولم يلحق بهم، فقال: «المرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (٤). ولمَّا نزل قوله - عز وجل -: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} (٥)، قالت عائشة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك (٦). وقال عمر في قصة المشاورة في أسارى بدر: فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ (٧)، وهذا الحديثُ مما جاء استعمال الهوى فيهِ بمعنى المحبة المحمودة، وقد وقع مثلُ ذلك في الآثار الإسرائيلية كثيراً، وكلامُ مشايخ القوم وإشاراتُهم نظماً ونثراً يكثُر في هذا الاستعمال، ومما يُناسبُ معنى الحديثِ من ذلك قولُ بعضهم:

إنَّ هواكَ الَّذي بقلبي … صَيَّرني سامعاً مُطيعا

أخذت قلبي وغَمضَ عيني … سَلَبتني النَّومَ والهُجوعا

فَذَرْ فؤادي وخُذ رُقادي … فقال: لا بل هُما جميعا


(١) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٨/ ١٤١ - ١٤٢.
وأخرجه: أحمد في " الزهد ": ٥٩ عن كعب بن علقمة.
(٢) ص: ٢٦.
(٣) النازعات: ٤٠ - ٤١.
(٤) أخرجه: الطيالسي (١١٦٧)، والترمذي (٢٣٨٧)، والطبراني في " الكبير " (٧٣٥٨)، وقال الترمذي: «حسن صحيح».
(٥) الأحزاب: ٥١.
(٦) أخرجه: أحمد ٦/ ١٣٤ و ١٥٨ و ٢٦١، والبخاري ٦/ ١٤٧ (٤٧٨٨) و ٧/ ١٥ (٥١١٣)، ومسلم ٤/ ١٧٤ (١٤٦٤) (٤٩) و (٥٠)، وابن ماجه (٢٠٠٠)، والنسائي ٦/ ٥٤ وفي " الكبرى "، له (٥٣٠٦) و (٨٩٢٧) وفي " التفسير "، له (٤٣٤).
(٧) أخرجه: أحمد ١/ ٣٠ - ٣١، وعبد بن حميد (٣١)، ومسلم ٥/ ١٥٦ - ١٥٧ (١٧٦٣) (٥٨)، وأبو داود (٢٦٩٠)، والترمذي (٣٠٨١).

<<  <   >  >>