للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظُمت الذُّنوب، وبلغت الكثرة عَنان السماء، وهو السَّحاب. وقيل: ما انتهى إليه البصر منها، وفي الرواية الأخرى: «لو أخطأتُم حتَّى بلغت خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لَغفر لكم» (١)، والاستغفارُ: طلبُ المغفرة، والمغفرة: هي وقاية شرِّ الذنوب مع سترها.

وقد كثر في القرآن ذكرُ الاستغفار، فتارةً يؤمر به، كقوله تعالى:

{وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢)، وقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (٣).

وتارةً يمدحُ أهلَه، كقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (٤)، وقوله:

{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (٥)، وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ} (٦).

وتارةً يذكر أن الله يغفر لمن استغفره، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً} (٧).

وكثيراً ما يُقرن الاستغفارُ بذكر التوبة، فيكون الاستغفارُ حينئذٍ عبارةً عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح.

وتارة يفرد الاستغفار، ويُرتب عليه المغفرة، كما ذكر في هذا الحديث وما

أشبهه، فقد قيل: إنَّه أريد به الاستغفارُ المقترن بالتوبة، وقيل: إنَّ نصوص الاستغفار المفردة كلّها مطلقة تُقيَّدُ بما ذكر في آية «آل عمران» من عدم الإصرار؛ فإنَّ الله وعد فيها المغفرة لمن استغفره من ذنوبه ولم يُصر على فعله، فتُحْمَلُ النُّصوص المطلقة في الاستغفار كلّها على هذا المقيد، ومجرَّدُ قولِ القائل: اللهمَّ اغفر لي، طلبٌ منه للمغفرة ودعاءٌ بها، فيكون حكمه حكمَ سائرِ الدعاء، فإنْ شاء الله أجابه وغفر لصاحبه، لاسيما إذا خرج عن قلبٍ منكسرٍ بالذنب أو صادف ساعةً من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات.


(١) سبق تخريجه.
(٢) البقرة: ١٩٩.
(٣) هود: ٣.
(٤) آل عمران: ١٧.
(٥) الذاريات: ١٨.
(٦) آل عمران: ١٣٥.
(٧) النساء: ١١٠.

<<  <   >  >>