للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمّا استغفارُ اللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دُعاء مجرَّد إنْ شاء الله أجابه، وإنْ شاء ردَّه.

وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة، وفي " المسند " (١) من حديث عبد الله ابن عمرو مرفوعاً: «ويلٌ للذينَ يُصرُّون على ما فعلوا وهُم يَعلَمون».

وخرَّج ابنُ أبي الدنيا (٢) من حديث ابن عباس مرفوعاً: «التائبُ مِنَ الذَّنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من ذنب وهو مقيمٌ عليه كالمستهزيء بربِّه» ورفعُه منكرٌ، ولعلَّه موقوف (٣).

قال الضحاك: ثلاثةٌ لا يُستجابُ لهم، فذكر منهم: رجل مقيم على امرأة زنى كلما قضى شهوته، قال: ربِّ اغفر لي ما أصبتُ من فلانة، فيقول الربُّ: تحوَّل عنها، وأغفر لك، فأما ما دمت مقيماً عليها، فإنِّي لا أغفر لك، ورجلٌ عنده مالُ قوم يرى أهله، فيقول: ربِّ اغفر لي ما آكل من مال فلان، فيقول تعالى: ردَّ إليهم مالهم، وأغفر لك، وأما ما لم تردَّ إليهم، فلا أغفر لك.

وقول القائل: أستغفر الله، معناه: أطلبُ مغفرته، فهو كقوله: اللهمَّ اغفر لي، فالاستغفارُ التامُّ الموجبُ للمغفرة: هو ما قارن عدمَ الإصرار، كما مدح الله أهله، ووعدهم المغفرة، قال بعض العارفين: من لم يكن ثمرةُ استغفاره تصحيح توبته، فهو كاذب في استغفاره، وكان بعضُهم يقول: استغفارُنا هذا يحتاج إلى استغفارٍ كثير، وفي ذلك يقولُ بعضهم:

أستغْفِرُ الله مِنْ أستغفرُ الله … من لَفظةٍ بَدَرَتْ خالفْتُ معناها

وكيفَ أرجو إجاباتِ الدُّعاء وقد … سَدَدْتُ بالذَّنب عندَ الله مَجراها

فأفضل الاستغفار ما اقترن به تركُ الإصرار، وهو حينئذ توبةٌ نصوح، وإنْ قال بلسانه: أستغفر الله وهو غيرُ مقلع بقلبه، فهو داعٍ لله بالمغفرة، كما يقول: اللهمَّ


(١) مسند الإمام أحمد ٢/ ١٦٥ و ٢١٩، وهو حديث قوي.
(٢) في " التوبة ": ٨٥.
(٣) وبنحو هذا المعنى قال البيهقي في " السنن الكبرى " ١٠/ ١٥٤.

<<  <   >  >>