للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عن عديِّ بن حاتمٍ، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عديُّ، أسلم تسلم»، قلت: وما الإسلام؟ قال: «تشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وتشهدُ أنِّي رسولُ الله، وتؤمن بالأقدارِ كلِّها، خيرها وشرِّها، حلوِها ومرِّها» فهذا نصٌّ في أنَّ الإيمان بالقدر مِنَ الإسلامِ.

ثم إنَّ الشهادتين مِنْ خصالِ الإسلامِ بغير نزاعٍ، وليسَ المرادُ الإتيان بلفظهما دونَ التَّصديق بهما، فعُلِمَ أنَّ التّصديقَ بهما داخلٌ في الإسلامِ، قد فسّرَ الإسلامَ المذكورَ في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ} (١) بالتَّوحيد والتَّصديق طائفةٌ مِنَ السَّلف، منهم محمدُ بنُ جعفر بنِ الزُّبير (٢).

وأما إذا نُفي الإيمانُ عَنْ أحدٍ، وأُثبتَ له الإسلامُ، كالأعراب الذينَ أخبرَ الله عنهم، فإنّه ينتفي رسُوخُ الإيمانِ في القلبِ، وتثبُت لهم المشاركةُ في أعمالِ الإسلامِ الظَّاهرةِ مع نوعِ إيمانٍ يُصحِّحُ لهمُ العملَ، إذ لولا هذا القدر مِنَ الإيمانِ (٣) لم يكونُوا مسلمين، وإنَّما نفي عنهُم الإيمانِ؛ لانتفاء ذوقِ حقائقِه، ونقصِ بعضِ واجباته، وهذا مبنيٌّ على أنَّ التّصديقَ القائم بالقلوبِ متفاضلٌ، وهذا هو الصَّحيحُ، وهو أصحُّ الرِّوايتين عَنْ أحمد (٤)، فإنَّ إيمانَ الصِّدِّيقين الذين يتجلَّى الغيبُ لقلوبهم حتى يصيرَ كأنَّه شهادةٌ، بحيث لا يقبلُ التَّشكيكَ ولا الارتيابَ، ليس كإيمانِ غيرِهم ممَّن لم يبلغ هذه الدرجة بحيث لو شُكِّكَ لدخلهُ الشكُّ، ولهذا جعلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرتبةَ الإحسّانِ أنْ يعبُد العبدُ ربَّه كأنَّه يراهُ، وهذا لا يحصلُ لِعمومِ المؤمنينَ، ومن هنا قال بعضهم: ما سبقكم أبو بكرٍ بكثرة صومٍ ولا صلاةٍ، ولكن بشيءٍ وقرَ في

صدره (٥).


(١) آل عمران: ١٩.
(٢) أخرج: الطبري في " تفسيره " (٥٣١٩) عن محمد بن جعفر بن الزبير: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ}، أي: ما أنت عليه يا محمد من التوحيد للرب والتصديق للرسل.
(٣) عبارة: «من الإيمان» لم ترد في (ص).
(٤) انظر: مجموعة الفتاوى ٧/ ٢٥٨، والإيمان لابن تيمية: ١٩٠، والمسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل ١/ ١١١.
(٥) قال العراقي: «لا أصل لهذا مرفوعاً، وإنما يعرف من قول بكر بن عبد الله المزني، رواه الحكيم الترمذي في " نوادره "».
وورد أيضاً بلفظ: «ما فضلكم أبو بكر بفضل صومٍ ولا صلاةٍ، ولكن بشيءٍ وقرَ في قلبه». انظر: تخريج أحاديث الإحياء (٨٥) و (١٤١)، والأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة
(٨٠١) و (١٣٠٧).

<<  <   >  >>