للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما قوله - عز وجل -: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} (١)، فقالوا: لم يُردْ بذلك أنّه لا يحرم حلائل الأبناء من الرضاع، إنَّما أراد إخراجَ حلائل الذين تُبُنُّوا، ولم يكونوا أبناءً من النَّسب كما تزوَّج النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زوجةَ زيد بن حارثة بعد أنْ كان قد تبنّاه (٢).

وهذا التحريمُ بالرضاع يختصُّ بالمرتضع نفسه، وينتشر إلى أولاده، ولا ينتشر تحريمه إلى من في درجة المرتضع من إخوته وأخواته، ولا إلى من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، فتُباحُ المرضعة نفسها لأبي المرتضع مِنَ النَّسب ولأخيه، وتباح أمُّ المرتضع من النَّسب وأخته منه لأبي المرتضع من الرضاع ولأخيه. هذا قولُ جمهور العلماء، وقالوا: يُباح أنْ يتزوَّج أختَ أخيه من الرَّضاعة، وأخت ابنته من الرضاعة (٣)، حتى قال الشعبي: هي أحلُّ من ماء قَدَس (٤)،

وصرَّح بإباحتها حبيبُ بن أبي ثابت وأحمد.

وروى أشعث عن الحسن أنَّه كره أنْ يتزوَّج الرجل بنتَ ظِئر ابنه، ويقول: أخت ابنه، ولم ير بأساً أنْ يتزوّج أمها، يعني: ظئر ابنه، وروى سليمان التيمي عن الحسن: أنَّه سئل عن الرجل يتزوج أخت أخيه من الرضاعة، فلم يقل فيه شيئاً، وهذا يقتضي توقُّفَه فيه، ولعلَّ الحسن إنَّما كان يكره ذلك تنْزيهاً، لا تحريماً، لمشابهته للمحرم بالنَّسب في الاسم، وهذا بمجرَّده لا يُوجِبُ تحريماً.

وقد استثنى كثيرٌ من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم مما يحرم من النسب صورتين، فقالوا: لا يحرم نظيرُهما مِنَ الرَّضاع:

إحداهما: أمُّ الأخت، فتحرم مِنَ النَّسب، ولا تحرم من الرضاع.


(١) النساء: ٢٣.
(٢) أخرجه: البخاري ٦/ ١٤٨ (٤٧٩١) من حديث أنس بن مالك، به.
(٣) انظر: الهداية للكلوذاني ٢/ ٢١٧ - ٢١٨ بتحقيقي، والمغني ٩/ ٢٠٢، والشرح الكبير على متن المقنع ٩/ ١٩٤ - ١٩٥، والمفصل في أحكام المرأة والبيت ٦/ ٢٤١، ونيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب ٤/ ٤٨٤.
(٤) قَدَسُ: بالتحريك والسين المهملة أيضاً. بلد بالشام قُرب حمص من فتوح شرحبيل بن حسنة وإليه تُضاف بُحيرة قَدَس.
انظر: معجم البلدان ٧/ ٢٢، ومراصد الاطلاع ٣/ ١٠٦٨.

<<  <   >  >>