للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا الحديثُ أصلٌ جامعٌ لأصول الطب كُلِّها. وقد رُوي أنَّ ابنَ أبي

ماسويه (١) الطبيبَ لمَّا قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة، قال: لو استعملَ الناسُ هذه الكلمات، سَلِموا مِنَ الأمراض والأسقام، ولتعطَّلت المارستانات (٢) ودكاكين الصيادلة، وإنَّما قال هذا؛ لأنَّ أصل كلِّ داء التُّخَم، كما قال بعضهم: أصلُ كُلِّ داء البردةُ، وروي مرفوعاً ولا يصحُّ رفعه (٣).

وقال الحارث بن كَلَدَة طبيبُ العرب: الحِمية رأسُ الدواء، والبِطنةُ رأسُ الداء، ورفعه بعضهم ولا يصحُّ أيضاً (٤).

وقال الحارث أيضاً: الذي قتل البرية، وأهلك السباعَ في البرية، إدخالُ الطعام على الطعام قبل الانهضام.

وقال غيره: لو قيل لأهل القبور: ما كان سببُ آجالكم؟ قالوا: التُّخَمُ (٥).

فهذا بعض منافع تقليلِ الغذاء، وتركِ التَّمَلِّي من الطَّعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته.

وأما منافِعُه بالنسبة إلى القلب وصلاحه، فإنَّ قلةَ الغذاء توجب رِقَّة القلب، وقوَّة الفهم، وانكسارَ النفس، وضعفَ الهوى والغضب، وكثرةُ الغذاء توجب ضدَّ ذلك.


(١) هو أبو زكريا يحيى بن ماسويه الحراني، كان مسيحياً طبيباً حاذقاً، له من المصنفات (إصلاح الأدوية المفردة تدبير الأصحاء) توفي في سر من رأى سنة ثلاث وأربعين ومئتين. انظر: كشف الظنون ٦/ ٥١٥.
(٢) هي دار المرضى، انظر: لسان العرب (مرس).
(٣) أخرجه: ابن حبان في " المجروحين " ١/ ٢٠٤، وابن عدي في " الكامل " ٢/ ٢٧٩، وأبو أحمد العسكري في " أخبار المصحفين ": ٦٤ عن الحسن، عن أنس مرفوعاً.
قال الدارقطني: الأشبه بالصواب أنه من قول الحسن. انظر: " كشف الخفاء " (٣٨٠).
وقال ابن عدي: ولعل البلاء في هذا الحديث من محمد بن جابر الحلبي لأنه مجهول ولا يعرف حاله. انظر: الكامل ٢/ ٢٨٠.
(٤) قال السخاوي: «لا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب أو غيره» المقاصد الحسنة (١٠٣٥)، وانظر: كشف الخفاء (٢٣٢٠).
(٥) ذكره المناوي في " فيض القدير " ١/ ٦٧.

<<  <   >  >>