للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خزائن مُدَّخَرة، فلا يُعطي إلا من أحبَّ خاصة؛ ولأنْ أدعَ من عشائي لقمةً أحبُّ إليَّ من أن آكلها ثم أقوم من أوَّل الليل إلى آخره (١).

وقال الحسن بن يحيى الخشني: من أراد أن تَغْزُرَ دموعه، ويرِقَّ قلبه، فليأكل، وليشرب في نصف بطنه، قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت بهذا أبا سليمان، فقال: إنَّما جاء الحديث: «ثلثٌ طعام وثلثٌ شراب»، وأرى هؤلاء قد حاسبوا أنفسَهم، فربحوا سدساً (٢).

وقال محمد بن النضر الحارثي: الجوعُ يبعث على البرِّ كما تبعثُ البِطنة على

الأشر (٣).

وعن الشافعي، قال: ما شبعتُ منذ ستَّ عشرةَ سنة إلا شبعة اطرحتها؛ لأنَّ الشبع يُثقِلُ البدن، ويُزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة (٤).

وقد ندب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام، وقال: «حسبُ ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه» (٥). وفي " الصحيحين " (٦) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:

«المؤمنُ يأكل في مِعًى واحدٍ، والكافرُ يأكل

في سبعة أمعاء» والمراد أنَّ المؤمن يأكلُ بأدبِ الشَّرع، فيأكل في مِعًى واحدٍ، والكافر يأكل بمقتضى الشَّهوة والشَّرَهِ والنَّهم، فيأكلُ في سبعة أمعاء.

وندب - صلى الله عليه وسلم - مع التقلُّل منَ الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه، فقال: «طعامُ الواحدِ يكفي الاثنين، وطعامُ الاثنين يكفي الثَّلاثة، وطعامُ الثلاثة


(١) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (٥٧١٥)، والخطيب في " تأريخه " ١٠/ ٢٤٨.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٨/ ٣١٨.

قلت: والخير والهدى والسداد في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما نصح في حديثه - صلى الله عليه وسلم - ففيه الغاية في الورع والزهد، أما المبالغة في الأمر فقد يخرج بالمرء إلى حيز التنطع والتشدد المنهي عنه.
(٣) ذكره ابن الجوزي في " صفة الصفوة " ٣/ ٨٠.
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٩/ ١٢٧.
(٥) سبق تخريجه.
(٦) صحيح البخاري ٧/ ٩٢ (٥٣٩٣)، وصحيح مسلم ٦/ ١٣٢ (٢٠٦٠) (١٨٢) من حديث ابن عمر.

<<  <   >  >>