للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأصغر وسيلةٌ وذريعةٌ إلى النفاق الأكبر، كما أنَّ المعاصي بريدُ الكفر، فكما يخشى على من أصرَّ على المعصية أنْ يُسلَبَ الإيمانَ عندَ

الموت، كذلك يخشى على مَنْ أصرَّ على خصالِ النفاق أنْ يُسلَبَ الإيمانَ، فيصير منافقاً خالصاً.

وسُئِلَ الإمامُ أحمد: ما تقولُ فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ فقال: ومن يأمنُ على نفسه النفاق؟ وكان الحسن يُسمي من ظهرت منه أوصافُ النفاق العملي منافقاً، وروي نحوه عن حذيفة.

وقال الشعبي: من كذب، فهو منافق (١)، وحكى محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقةٍ من أهل الحديث، وقد سبق في أوائل الكتاب ذكرُ الاختلاف عن الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر: هل يسمي كافراً كفراً لا يَنقلُ عن الملة أم لا؟ واسمُ الكفر أعظم من اسم النفاق، ولعلَّ هذا هوَ الذي أنكره عطاءٌ عن الحسن إن صحَّ ذلك عنه (٢).

ومِنْ أعظم خِصال النفاق العملي: أنْ يعملَ الإنسان عملاً، ويُظهرَ أنَّه قصد به الخيرَ، وإنَّما عمله ليتوصَّل به إلى غرض له سيِّئٍ، فيتمّ له ذلك، ويتوصَّل بهذه الخديعةِ إلى غرضه، ويفرح بمكره وخِداعه وحَمْدِ النَّاس له على ما أظهره، وتوصل به إلى غرضه السيِّئِ الذي أبطنه،

وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود، فحكى عن المنافقين أنَّهم: {اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (٣)، وأنزل في اليهود: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٤) وهذه الآية نزلت في اليهود، سألهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن شيءٍ فكتموه، وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أنَّهم قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك، وفرِحُوا بما أُوتوا من كتمانهم وما سُئِلوا عنه، قال ذلك ابن عباس، وحديثُه مخرج في


(١) أخرجه: الفريابي في " صفة المنافق " (٢٢)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (٤٨٩٢).
(٢) سبق بيانه.
(٣) التوبة: ١٠٧.
(٤) آل عمران: ١٨٨.

<<  <   >  >>