للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نام بعضُهم عند إبراهيم بن أدهم قال: فكنتُ كلَّما استيقظتُ من الليل، وجدتُه يذكر الله، فأغتمّ، ثم أُعزِّي نفسي بهذه الآية: {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} (١).

المحبُّ اسم محبوبه لا يغيبُ عن قلبه، فلو كُلّف أنْ ينسى تذكُّره لما قدر، ولو كلف أنْ يكفّ عن ذكره بلسانه لما صبر.

كَيْفَ يَنسى المُحبُّ ذِكرَ حَبيبٍ … اسمُه في فُؤاده مَكتوبُ

كان بلالٌ كلَّما عذَّبه المشركون في الرمضاء على التوحيد يقول: أحدٌ أحدٌ، فإذا قالوا له قل: اللات والعُزَّى، قال: لا أحسنه (٢).

يُراد مِنَ القَلبِ نِسيانُكُم … وتَأْبَى الطِّباعُ على النَّاقِلِ

كلَّما قويت المعرفةُ، صار الذكرُ يجري على لسان الذاكر من غير كُلفة، حتى كان بعضهم يجري على لسانه في منامه: الله الله، ولهذا يُلهم أهلُ الجنة التَّسبيح، كما يُلهمون النفسَ، وتصيرُ «لا إله إلا الله» لهم، كالماء البارد لأهل الدنيا، كان الثوري ينشد:

لا لأَنِّي أَنساكَ أُكثرُ ذِكرا … ك ولكنْ بِذاكَ يَجري لِساني

إذا سمِعَ المحبُّ ذكر اسم حبيبه من غيره زاد طربه، وتضاعف قَلَقُه، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعودٍ: «اقرأ عليَّ القرآن»، قال: أقرأ عليكَ وعَلَيكَ أُنزل؟ قال:

«إنِّي أُحبُّ أنْ أسمعه من غيري» (٣)،

فقرأ عليه، ففاضت عيناه.

سمع الشبلي قائلاً يقولُ: يا الله يا جَوادُ، فاضطرب (٤):

وداعٍ دعا إذ نَحْنُ بالخَيفِ مِن منى … فهَيَّجَ أشجانَ الفُؤادِ وما يَدري


(١) المائدة: ٥٤.
(٢) أخرجه: ابن سعد في " الطبقات " ٣/ ١٧٥.
(٣) أخرجه: أحمد ١/ ٣٧٤ و ٣٨٠ و ٤٣٢، والبخاري ٦/ ٥٧ (٤٥٨٢)، ومسلم ٢/ ١٩٦

(٨٠٠) (٢٤٨)، والترمذي (٣٠٢٥) وفي " الشمائل "، له (٣٢٣) بتحقيقي، والنسائي في " الكبرى " (٨٠٧٥) و (٨٠٧٨) و (٨٠٧٩) و (١١١٠٥) وفي " التفسير "، له (١٢٥).
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ١٠/ ٣٧٣ بنحوه.

<<  <   >  >>