للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن عمر قال: أخبرني أهلُ الكتاب أنَّ هذه الأمة تُحبُّ الذِّكْرَ كما تُحبُّ الحمامةُ وكرَها، ولهُم أسرعُ إلى ذكر الله من الإبل إلى وردها يوم ظِمئِها (١).

قلوبُ المحبين لا تطمئنُّ إلاّ بذكره، وأرواحُ المشتاقين لا تَسكُنُ إلاّ برؤيته، قال ذو النون: ما طابتِ الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرةُ إلا بعفوه، ولا طابت الجنَّة إلاّ برؤيته (٢).

أبداً نُفوس الطَّالبيـ … ـن إلى طلُولكم تَحِنُّ

وكَذَا القُلُوبُ بِذكركُم … بَعْدَ المَخافةِ تَطمئنُّ

جُنَّتْ بحُبِّكُمُ ومَنْ … يَهوى الحَبيبَ ولا يُجَنُّ؟

بِحياتِكُم يا سادتي … جُودُوا بِوصْلِكُم ومُنُّوا

قد سبق حديث: «اذكروا الله حتى يقولوا: مجنون» ولبعضهم:

لقد أكثرتُ من ذِكرا … كَ حتَّى قِيلَ وَسْوَاسُ

كان أبو مسلم الخولاني كثيرَ الذِّكر، فرآه بعضُ الناس، فأنكر حالَه، فقال لأصحابه: أمجنون صاحبُكم؟ فسمعه أبو مسلم، فقال: لا يا أخي، ولكن هذا دواءُ الجنون (٣).

وحُرمَة الودِّ مالي مِنكُم عِوَضٌ … ولَيسَ لي في سِواكُم سَادتِي غَرَضُ

وقَدْ شَرَطْتُ على قومٍ صَحِبتُهُم … بأنَّ قلبي لَكُمْ مِن دونِهم فرضُوا

ومِنْ حديثي بكُم قالوا: به مَرَضٌ … فقُلْتُ: لا زالَ عنِّي ذلك المَرَضُ

المحبون يستوحشون من كلِّ شاغلٍ يَشغَلُ عن الذكر، فلا شيءَ أحبَّ إليهم من الخلوة بحبيبهم.

قال عيسى - عليه السلام -: يا معشر الحواريين كلِّموا الله كثيراً، وكلموا الناس قليلاً، قالوا: كيف نكلِّم الله كثيراً؟ قال: اخلوا بمناجاته، اخلوا بدُعائه (٤).


(١) ذكره الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " ١/ ١٥٤.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٣٧٢. وانظر: صفة الصفوة ٤/ ٢٢٥.
(٣) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (٦٩٦).
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ٩٤ و ١٩٥.

<<  <   >  >>