للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات, إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى المنكوحات, ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذين هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات, ثم يتبع استكثار المال والجاه أنواع الرعونات وضرر المنافسات والمحاسدات, ثم يتولد بينهما آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء, ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء, ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء, وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء, ولو ذلَّل العبد نفسه بالجوع وضيَّق به مجاري الشيطان لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيل البطر والطغيان, ولم ينجر به ذلك إلى الانهماك في الدنيا وإيثار العاجلة على العقبى, ولم يتكالب كل هذا التكالب على الدنيا (١).

فالأكل في مقام العدل يصح البدن وينفي المرض, وذلك أن لا يتناول الطعام حتى يشتهيه, ثم يرفع يده وهو يشتهيه, والدوام على التقلل من الطعام يضعف القوى, وقد قلَّّل أقوام مطاعمهم حتى قصروا عن الفرائض, وظنوا بجهلهم أن ذلك فضيلة, وليس كذلك, ومن مدح الجوع فإنما أشار إلى الحالة التي ذكرناها. ويسهل الاحتراز عن ذلك في بدايات الأمور, فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد, وقد لا ينجع, ومثاله من يصرف عنان الدابة عند


(١) الإحياء ٣/ ٨٧.

<<  <   >  >>