للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل له أيضا قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: ٥٢] وقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٠] وغير ذلك من الآيات.

ونحو ذلك قول وهيب بن الورد لمن سأله: "أيجد طعم العبادة من عصى الله سبحانه؟ قال: لا، ولا من هَمَّ بالمعصية".

قال في المقاصد: ومما اشتهر مما لم أقف عليه، ومعناه صحيح: المعاصي تزيل النعم، حتى قال أبو الحسن الكندي القاضي مما أسنده البيهقي من جهته:

إذا كنت في نعمة فارْعَهَا ... فإن المعاصي تزيل النعم

وقد يدل له ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل على عائشة فرأى كسرة ملقاة فمسحها وقال: يا عائشة, "أحسني جوار نعم الله؛ فإنها ما نفرت عن أهل بيت, فكادت أن ترجع إليهم".

وروي من حديث أنس وعائشة وغيرهما وتقدم في "أكرموا الخبز" قال: بل أوسعت الكلام عليها في جوابين, وجمعت بينها على تقدير تساويها, انتهى.

وأقول: قال شيخ مشايخنا النجم الغزي تبعًا لغيره: وقد يجاب بأن ما يقضيه الله تعالى للعبد من أجل أو رزق أو بلاء، تارة يكون مبرمًا وهذا لا يؤثر فيه الدعاء والطاعة، وتارة يكون معلقًا على صفة، وقد سبق في القضاء وجودها، فهذا يؤثر فيه ما ذكره، ويكون ذلك من نفس القضاء. ولا محو ولا إثبات في المبرم -المتعلق به علم الله المعبر عنه بـ "أم الكتاب" أيضا- وإنما المحو والإثبات في اللوح المحفوظ -المكتوب فيه القضاء المعلق-، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] ، قال: وقد أشار إلى ذلك الجد الرضي في الدرر اللوامع بقوله:

والمحو والإثبات في نص الكتاب ... في لوحه المحفوظ لا أم الكتاب

وبهذا يرتفع الإشكال الوارد على مذهب أهل السنة، الناطق به الكتاب والسنة، من أن الأجل والرزق مقسومان، وأن كل شيء بقضاء وقدر, انتهى ملخصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>