للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كلامه أنه لا يحب الوطن إلا مؤمن، وإنما فيه أن حب الوطن لا ينافي الإيمان, انتهى.

كذا نقله القاري ثم عقبه بقوله: ولا يخفى أن معنى الحديث حب الوطن من علامة الإيمان, وهي لا تكون إلا إذا كان الحب مختصًّا بالمؤمن، فإذا وجد فيه وفي غيره لا يصلح أن يكون علامة, قوله: ومعناه صحيح نظرًا إلى قوله تعالى حكاية عن المؤمنين: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} ١ فصحت معارضته بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا} الآية٢ الأظهر في معنى الحديث إن صح مبناه أن يحمل على أن المراد بالوطن الجنة, فإنها المسكن الأول لأبينا آدم على خلاف فيه أنه خلق فيها أو أدخل بعدما تكمل وأتم، أو المراد به مكة فإنها أم القرى وقبلة العالم، أو الرجوع إلى الله تعالى على طريقة الصوفية, فإنه المبدأ والمعاد كما يشير إليه قوله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} ٣ أو المراد به الوطن المتعارف ولكن بشرط أن يكون سبب حبه صلة أرحامه، أو إحسانه إلى أهل بلده من فقرائه وأيتامه، ثم التحقيق أنه لا يلزم من كون الشيء علامة له اختصاصه به مطلقًا، بل يكفي غالبًا ألا ترى إلى حديث: حسن العهد من الإيمان, وحب العرب من الإيمان مع أنهما يوجدان في أهل الكفران انتهى. ومما يدل لكون المراد به مكة ما روى ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ٤ قال: إلى مكة انتهى. وللخطابي في غريب الحديث عن الزهري قال: قدم أُصَيْلٌ -بالتصغير- الغفاري على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة قبل أن يضرب الحجاب، فقالت له عائشة: كيف تركت مكة؟ قال: اخضرَّت جنباتها، وابيضَّت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وانتشر سلمها ... الحديث، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك يا أصيل لا تحزني"، وفي رواية: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ويهًا يا أصيل! تدع القلوب تقر".


١ البقرة: ٢٤٦.
٢ النساء: ٦٦.
٣ النجم: ٤٢.
٤ القصص: ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>