بنحو من هذا البرهان فاعتبر مثله في اللغات فإنها ملكات اللسان وهي بمنزلة الصناعة وانظر من تقدم له شيء من العجمة كيف يكون قاصرا في اللسان العربي أبدا؟ فالأعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي على ملكة اللسان العربي ولا يزال قاصرا فيه ولو تعلمه وعلمه وكذا البربري والرومي والإفرنجي قل أن تجد أحدا منهم محكما لملكة اللسان العربي وما ذلك إلا لما سبق إلى ألسنتهم من ملكة اللسان الآخر حتى إن طالب العلم من أهل هذه الألسن إذا طلبه بين أهل اللسان العربي جاء مقصرا في معارفه عن الغاية والتحصيل وما أتي إلا من قبل اللسان وقد تقدم لك من قبل: أن الألسن واللغات شبيهة بالصنائع وأن الصنائع وملكاتها لا تزدحم وأن من سبقت له إجادة في صناعة فقل أن يجيد أخرى أو يستولي فيها على الغاية {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} .