للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مطلب: في تعيين العلم الذي هو فرض عين على كل مكلف]

أعني: الذي يتضمنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"

اعلم: أن للعلماء اختلافا عظيما في تعيين ذلك العلم وهو أكثر من عشرين قولا وحاصله: أن كل فريق نزل الوجوب على العلم الذي هو بصدده.

قال المفسرون والمحدثون: هو علم الكتاب والسنة إذ بهما يتوصل إلى سائر العلوم وهو الحق الذي لا محيد عنه ولا مصير إلا إليه وعليه جمهور المحققين من السلف والخلف بلا خلاف بينهم.

وقال الفقهاء: هو العلم بالحلال والحرام ويسمى: بعلم الفقه وهذا يندرج في الأول - كما هو الظاهر.

وقال المتكلمون: هو العلم الذي يدرك به التوحيد الذي هو أساس الشريعة ويسمى: بعلم الكلام وهذا أيضا داخل في الأول لأن مسائل التوحيد مبينة فيهما بيانا شافيا وليس وراء بيان الله ورسوله بيان وأما الكلام الذي اختص به المتكلمون وخلطوا فيه المنطق والفلسفة فليس هو من هذا الباب.

وقال الصوفية: هو علم القلب ومعرفة الخواطر لأن النية التي هي شرط الأعمال لا تصح إلا بها وهذا شعبة من شعب السنة المطهرة فإن العلم بها عالم به على الوجه الأتم الأكمل.

وقال أهل الحق: هو علم المكاشفة ولا وجه للتخصيص به ولم يدل عليه نص ولا برهان.

وقيل: إنه العلم الذي يشتمل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس". الحديث لأنه الفرض على عامة المسلمين وهو اختيار الشيخ: أبي طالب المكي١

وزاد عليه بعضهم: أن وجوب المباني الخمسة إنما هو بقدر الحاجة مثلا: من بلغ ضحوة النهار يجب عليه أن يعرف الله - سبحانه وتعالى - بصفاته استدلالا وأن يتكلم كلمتي الشهادة مع فهم معناهما وإن عاش إلى وقت الظهر يجب عليه أن يتكلم أحكام الطهارة والصلاة وإن عاش إلى رمضان يجب أن يتكلم أحكام الصوم وإن ملك مالا يجب أن يتعلم كيفية الزكاة وإن حصل له استطاعة الحج يجب أن يتعلم أحكام الحج ومناسكه.

هذه هي المذاهب المشهورة في هذا الباب والأول: أولاها فإن هذه كلها تدخل فيه ولا تخرج عنه حتى يحتاج إليه وزاد في كشاف اصطلاحات الفنون: قال بعضهم: هو علم العبد بحاله ومقامه من الله – تعالى.

وقيل: بل هو العلم بالإخلاص وآفات النفوس.


١ هو محمد بن علي بن عطية الحارثي، فقيه واعظ زاهد، له كتب في التصريف. توفي سنة ٣٨٦هـ = ٩٩٦م.

<<  <   >  >>