هذا الفن من فنون كلام العرب وهو المسمى: بالشعر عندهم ويوجد في سائر اللغات إلا أنا الآن إنما نتكلم في الشعر الذي للعرب فإن أمكن أن تجد فيه أهل الألسن الأخرى مقصودهم من كلامهم وإلا فلكل لسان أحكام في البلاغة تخصه.
وهو في لسان العرب غريب النزعة عزيز المنحى إذ هو: كلام مفصل قطعا قطعا متساوية في الوزن متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم: بيتا ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه: رويا وقافية ويسمى جملة الكلام إلى آخره: قصيدة وكلمة وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله وما بعده وإذا أفرد كان تاما في بابه في: مدح أو تشبيب أو رثاء فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك في البيت ما يستقل في إفادته ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك ويستطرد للخروج من فن إلى فن ومن مقصود إلى مقصود بأن يوطئ المقصود الأول ومعانيه إلى أن تناسب المقصود الثاني ويبعد الكلام عن التنافر كما يستطرد من التشبيب إلى المدح ومن وصف البيداء والطلول إلى وصف الركاب أو الخيل أو الطيف ومن وصف الممدوح إلى وصف قومه وعساكره ومن التفجع والعزاء في الرثاء إلى التأثر وأمثال ذلك.
ويراعي فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد حذرا من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس
ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمنها علم العروض وليس كل وزن يتفق في الطبع استعملته العرب في هذا الفن وإنها هي أوزان مخصوصة تسميها أهل تلك الصناعة: البحور وقد حصروها في خمسة عشرا بحرا بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية نظماً.
واعلم: أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وشاهد صوابهم وخطئهم وأصلا يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم وكانت ملكته مستحكمة