[الفصل الثاني: فيما يتصل بماهية العلم من: الاختلاف والأقوال]
اعلم أنه اختلف في أن العلم بالشيء هل يستلزم وجوده في الذهن كما هو مذهب الفلاسفة وبعض المتكلمين أو هو تعلق بين العالم والمعلوم في الذهن كما ذهب إليه جمهور المتكلمين؟
ثم إنه على الأول لا نزاع في أنا إذا علمنا شيئا فقد تحقق أمور ثلاثة: صورة حاصلة في الذهن وارتسام تلك الصورة فيه وانفعال النفس عنها بالقبول. فاختلف في أن العلم أي هذه الثلاثة فذهب إلى كل منها طائفة. ولذلك اختلف في أن العلم هل هو من مقولة الكيف أو الانفعال أو الإضافة. والأصح أنه من مقولة الكيف على ما بين في محله.
ثم اعلم أن القائلين بالوجود الذهني منهم من قال: إن الحاصل في الذهن إنما هو شبح للمعلوم وظل له مخالف بالماهية غايته أنه مبدأ لانكشافه. لكن دليل البحث لو تم لدل على أن للمعلوم نحوا آخر من الوجود لا كشبحه المخالف له بالحقيقة.
ومنهم من قال: الحاصل في الذهن في نفس ماهية المعلوم لكنها موجودة بوجود ظلي غير أصلي وهي باعتبار هذا الوجود تسمى صورة ولا يترتب عليها الآثار كما أنها باعتبار الوجود الأصلي تسمى عينا ويترتب عليها الآثار فهذه الصورة إذا وجدت في الخارج كانت عين العين كما أن العين إذا وجدت في الذهن كانت عين الصورة أي شبح قائم بنفس العالم به ينكشف المعلوم وهي العلم وذو صورة أي ماهية موجودة في الذهن غير قائم به وهي المعلوم وهما متغايران بالذات. فعلى رأي القائلين بالشبح يكون العلم من مقولة الكيف بلا أشكال مع كون المعلوم من مقولة الجوهر أو مقولة أخرى لاختلافهما بالماهية
وأما على رأي القائلين بحصول الماهيات بأنفسها في الذهن ففي كونه منها أشكال مع أشكال اتحاد الجوهر والعرض بالماهية وهما متنافيان. وأجاب عنه بعض المحققين بأن العلم من كل مقولة من المقولات وإن عدهم العلم مطلقا من مقولة الكيف على سبيل التشبيه به ويرد عليه أنه يصدق على هذا على العلم تعريف الكيف فيكون كيفا. وبعض المدققين جوز تبدل الماهية بأن يكون الشيء في الخارج جوهرا فإذا وجد في الذهن انقلب كيفا كالملحة التي ينقلب الواقع فيها ملحا وهو مبحث مشهور.
وفي أبي الفتح حاشية الحاشية الجلالية: أما القائلون بالوجود الذهني من الحكماء وغيرهم فاختلفوا