يقول: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز وزعموا أنه لم يسبق عبادة وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمن الطوائف وجاء مصليا خلفه منهم: ابن أرفع رأسه شاعر المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة ثم جاءت الحلبة التي كانت في دولة الملثمين فظهرت لهم البدائع وسابق فرسان حلبتهم: الأعمى التطيلي ثم يحيى بن بقي وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون: أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بإشبيلية وكان كل واحد منهم اصطنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي للإنشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله:
ضاحك عن جمان ... سافر عن بدر
ضاق عنه الزمان ... وحواه صدري
خرق ابن بقي موشحته وتبعه الباقون وذكر العلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول: ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له:
أما ترى أحمد ... في مجده العالي لا يلحق
أطلعه الغرب ... فأرنا مثله يا مشرق
وكان في عصرهما من الموشحين المطبوعين: أبو بكر الأبيض وكان في عصرهما أيضا الحكيم: أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين: محمد بن أبي الفضل بن شرف وأبو إسحاق الدويني قال ابن سعيد: وسابق الحلبة التي أدركت هؤلاء: أبو بكر بن زهر وقد شرقت موشحاته وغربت واشتهر بعده: ابن حبون واشتهر معهما يومئذ بغرناطة: المهر بن الغرس وبعد هذا: ابن حزمون بمرسية وأبو الحسن: سهل بن مالك بغرناطة واشتهر بإشبيلية أبو الحسن بن الفضل واشتهر بين أهل العدوة: ابن خلف الجزائري ومن محاسن الموشحات للمتأخرين: موشحة ابن سهل شاعر إشبيلية وسبتة من بعدها.
وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك: موشحة ابن سناء الملك المصري اشتهرت شرقاً وغرباً.
ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعرابا واستحدثوه فنا سموه: بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة.
وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية: أبو بكر بن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم يظهر حلاها ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق قال ابن سعيد: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب قال: وسمعت أبا الحسن بن جحدر الإشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة
وكان ابن قزمان مع أنه قرطبي الدار كثيرا ما يتردد إلى إشبيلية ويبيت بنهرها وكان في عصرهم بشرق الأندلس: محلف الأسود وله محاسن من الزجل.