للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على كلام الأساتذة لا سيما الفارسية منها.

وأما هذا الفقير ليس من هذا العلم في ورد ولا صدر ولا نخل بواديه ولا سدر وهذا الذي نراه من آثاره الباقية في العربية والفارسية وما ذكره في الإتحاف له فإنما هو طل من وابل هؤلاء الأدباء وفيض من ساحل أولئك الكملاء النبلاء فإنه قد صرف برهة من الزمان في تتبع قالهم وقيلهم واتبع آثارهم في ذلك ومشى على سبيلهم ولنعم ما قيل:

فهذا الشذا آثار رفقته معي ... ولست بورد إنما أنا تربه

ثم١ اعلم: أن المقصود من علم الأدب عند أهل اللسان ثمرته وهي: الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب العرباء ومناحي الأدباء القدماء فيجمعون لذلك من حفظ كلام العرب ما عساه تحصل به الملكة: من شعر عالي الطبقة وسجع متساو في الإجادة ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية مع ذكر بعض من أيام العرب يفهم به ما يقع في أشعارهم منها وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة والأخبار العامة والمقصود بذلك كله: أن لا يخفى على الناظر فيه شيء من كلام العرب وأساليبهم ومناحي بلاغتهم إذا تصفحه لأنه لا تحصل الملكة من حفظه إلا بعد فهمه فيحتاج إلى تقديم جميع ما يتوقف عليه فهمه.

ثم إنهم إذا حدوا هذا الفن قالوا: هو٢ حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف يريدون: من علوم اللسان أو العلوم الشرعية من حيث متونها فقط وهي: القرآن والحديث إذ لا مدخل لغير ذلك من العلوم في كلامهم إلا ما ذهب إليه المتأخرون عند كلفهم بصناعة البديع من التورية في أشعارهم وترسلهم بالاصطلاحات العلمية فاحتاج صاحب هذا الفن حينئذ إلى معرفتها ليكون قائما على فهمها وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم: أن أصول هذا الفن وأركانه: أربعة دواوين وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة وكتاب: الكامل للمبرد وكتاب: البيان والتبيين للجاحظ وكتاب: النوادر لأبي علي القالي البغدادي وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها وكتب المحدثين في ذلك كثيرة

وكان الغناء في الصدر الأول من أجزاء هذا الفن لما هو تابع للشعر إذ الغناء إنما هو تلحينه وكان الكتاب والفضلاء من الخواص في الدولة العباسية يأخذون أنفسهم به حرصا على تحصيل أساليب الشعر وفنونه فلم يكن انتحاله قادحا في العدالة والمروءة

وقد ألف القاضي: أبو الفرج الأصبهاني - وهو ما هو - كتابه في الأغاني جمع فيه: أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم وجعل مبناه على الغناء في المائة صوت التي اختارها المغنون للرشيد فاستوعب فيه ذلك أتم استيعاب وأوفاه ولعمري إنه ديوان العرب وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من: فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها وأنى له بها - والله الهادي للصواب.


١ من هنا الكلام لابن خلدون انظره ص ١٣٨٧-١٣٨٨.
٢ تحتها بين السطرين في الأصل كلمة: "أي علم الأدب".

<<  <   >  >>