للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجدنا لكثير من العلوم التي ليست من علم الشرع نفعا عظيما وفائدة جليلة في دفع المبطلين والمتعصبين وأهل الرأي البحت ومن لا اشتغال له بالدليل.

وأما الأهلية التي يكون صاحبها محلا لوضع العلم فيه وتعليمه إياه فهي: شرف المحتد وكرم النجار وظهور الحسب أو كون في سلف الطالب من له تعلق: بالعلم والصلاح ومعالم الدين أو بمعالي الأمور ورفيع الرتب فإن هذا أمر يجذب بطبع صاحبه إلى معالي الأمور ويحول بينه وبين الرذائل وأما من كان سقط المتاع وسفساف أهل المهن: كأهل الحياكة والعصارة والقصابة ونحو ذلك من المهن الدنية والحرف الوضيعة فإن نفسه لا تفارق الدناءة ولا تجانب السقوط ولا تأبى المهانة فإذا اشتغل مشتغل منهم بطلب العلم ونال منه بعض النيل وقع في أمور منها: العجب والزهو والخيلاء والتطاول على الناس ويعظم به الضرر على أهل العلم فضلا عن غيرهم ممن هو دونهم.

وأما من كان أهلا للعلم وفي مكان من الشرف فإنه يزداد بالعلم شرفا إلى شرفه ويكتسب به من حسن السمت وجميل التواضع ورائق الوقار وبديع الأخلاق ما يزيد علمه علوا وعرفانه تعظيما.

وبين هاتين الطائفتين: طائفة ثالثة ليست من هؤلاء ولا من هؤلاء جعلوا العلم مكسبا من مكاسب الدنيا ومعيشة من معايش أهلها لا غرض لهم فيه إلا إدراك منصب من مناصب أسلافهم ونيل رئاسة من الرئاسات التي كانت لهم كما يشاهد في غالب البيوت المعمورة بالقضاء أو الإفتاء أو الخطابة أو الكتابة أو ما هو شبيه بهذه الأمور فهذا ليس من أهل العلم في ورد ولا صدر ولا ينبغي أن يكون معدودا منهم ولا فائدة في تعليمه راجعة إلى الدين قط.

والذي ينبغي لطالب العلم أن يطلبه كما ينبغي ويتعلمه على الوجه الذي يريده الله منه معتقدا أنه أعلى أمور الدين والدنيا راجيا أن ينفع به عباد الله بعد الوصول إلى الفائدة منه.

هذا ما ينبغي لأهل الطبقة الأولى وأما أهل الطبقة الثانية: وهو: من يطلب ما يصدق عليه مسمى الاجتهاد ويسوغ به العمل بأدلة الشرع فهو يكتفي بأن يأخذ من كل فن من فنون الاجتهاد بنصيب يعلم به ذلك الفن علما يستغني به عند الحاجة إليه أو يهتدي به إلى المكان الذي فيه ذلك البحث على وجه يفهم به ما يقف عليه منه فيشرع بتعلم علم النحو حتى تثبت له فيه الملكة التي يقتدر بها على: معرفة أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء وأقل ما يحصل له ذلك بحفظ مختصر من المختصرات المشتملة على مهمات مسائل النحو والمتضمنة لتقرير مباحثه على الوجه المعتبر ك: الكافية وشرح من شروحها وأحسنها بالنسبة إلى الشروح المختصرة: شرح الجامي ثم يحفظ مختصرا في الصرف ك: الشافية وشرحها للجاربردي ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات علم المعاني والبيان ك: التلخيص للقزويني وشرح السعد المختصر وأنفع ما ينتفع به الطالب الغاية للحسين بن القاسم١ وشرحها له ثم يشتغل بقراءة تفسير من التفاسير المختصرة ك: تفسير البيضاوي مع مراجعة ما يمكنه مراجعته من التفاسير ثم يشتغل بسماع مالا بد من سماعه من كتب


١ هو الحسين بن قاسم بن محمد بن علي اليمني من سادات اليمن، توفي سنة ١٠٥٠هـ = ١٦٤٠م وكتابة الغاية في الأصول وقد وضع عليه أيضا شرحاً.

<<  <   >  >>