للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالنظر إلى المذهب الثاني قال صاحب الأطول١ في تعريف علم المعاني: أسماء العلوم المدونة نحو علم المعاني تطلق على إدراك القواعد عن دليل حتى لو أدركها أحد تقليدا لا يقال له عالم بل حاك ذكره السيد السند٢ في شرح المفتاح وقد تطلق على معلوماتها التي هي القواعد لكن إذا علمت عن دليل وإن أطلقوا وعلى الملكة الحاصلة من إدراك القواعد مرة بعد أخرى أعني ملكة استحضارها متى أريد. لكن إذا كانت ملكة إدراك عن دليل وإن أطلقوا كما يقتضيه تخصيص الاسم بالإدراك عن دليل كما لا يخفى. وكذلك لفظ العلم يطلق على المعاني الثلاثة لكن حقق السيد السند أنه في الإدراك حقيقة وفي الملكة التي هي تابعة للإدراك في الحصول ووسيلة إليه في البقاء وفي متعلق الإدراك الذي هو المسائل إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجاز مشهور وفي كونه حقيقة الإدراك نظر لأن المراد به الإدراك عن دليل لا الإدراك مطلقا حتى يكون حقيقة انتهى.

وقال أبو القاسم٣ في حاشية المطول: إن جعل أسماء العلوم المدونة مطلقة على الأصول والقواعد وإدراكها والملكة الحاصلة على سواء وكذا لفظ العلم صح. ثم إنهم ذكروا أن المناسب أن يراد بالملكة ههنا كيفية للنفس بها يتمكن من معرفة جميع المسائل يستحضر بها ما كان معلوما مخزونا منها ويستحصل ما كان مجهولا لا ملكة الاستحضار فقط المسماة بالعقل بالفعل

إذ الظاهر أن من تمكن من معرفة جميع مسائل علم بأن يكون عنده ما يكفيه في تحصيلها يعد عالما بذلك العلم من غير اشتراط العلم بجميعها فضلا عن صيرورتها مخزونة. ولا ملكة الاستحصال فقط المسماة بالعقل بالملكة لأنه يلزم أن يعد عالما من له تلك الملكة مع عدم حصول شيء من المسائل. فالمراد بالملكة أعم من ملكة الاستحضار والاستحصال.

قال في الأطول: المراد ملكة الاستحضار لا الملكة المطلقة وعدم حصول العلم المدون لأحد وهو يتزايد يوما فيوما ليس بممتنع ولا بمستبعد فإن استحالة معرفة الجميع لا ينافي كون العلم سببا لها. وتسمية البعض فقيها أو نحويا أو حكيما كناية عن علو شأنه في ذلك العلم بحيث كأنه حصل له الكل وبالجملة: فملكة الاستحصال ليست علما وإنما الكلام في أن ملكة استحضار أكثر المسائل مع ملكة استحصال الباقي هل هو العلم أم لا؟ فمن أراد أن يكون إطلاق الفقيه على الأئمة حقيقة مع عجزهم عن جواب بعض الفتاوى التزم ذلك وأما على ما سلكنا من أن الإطلاق مجازي فلا يلزم.

ثم اعلم أن العلم وإن كان معنى واحدا وحقيقة واحدة إلا إنه ينقسم إلى أقسام كثيرة من جهات مختلفة. فينقسم من جهة إلى قديم ومحدث ومن جهة متعلقه إلى تصور وتصديق ومن جهة طرقه إلى ثلاثة أقسام: قسم يثبت في النفس وقسم يدرك بالحس وقسم يعلم بالقياس. وينقسم من جهة اختلاف موضوعاته إلى أقسام كثيرة يسمى بعضها علوما وبعضها صنائع. وقد أوردنا ما ذكره أصحاب الموضوعات في حصر أقسامها:


١ هو سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة ٧٩٢هـ.
٢ هو الشريف الجرجاني، سبقت ترجمته ص٢٣.
٣ هو أبو القاسم بن أبي بكر الليثي السمرقندي أحد المحشين على مطول السعد التفتازاني.

<<  <   >  >>