الجهة. وبهذا الاعتبار موضوع العلم الإلهي فيبحث فيه عن الأحوال التي تلحقه من حيث إنه موجود كالوحدة والكثرة ونحوهما. ولا يبحث فيه عن تلك الحيثية أي حيثية الوجود لأن الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية لا ما يبحث عنه وعن أجزائه.
وثانيهما: أن الحيثية تكون بيانا للأعراض الذاتية المبحوث عنها فإنه يمكن أن يكون للشيء عوارض ذاتية متنوعة وإنما يبحث في علم من نوع منها فالحيثية بيان لذلك النوع فيجوز أن يبحث عنها فقولهم: موضوع الطب بدن الإنسان من حيث إنه يصح ويمرض. وموضوع الهيئة أجسام العالم من حيث إن لها شكلا يراد به المعنى. الثاني لا الأول إذ في الطب يبحث عن الصحة والمرض وفي الهيئة عن الشكل فلو كان المراد الأول لم يبحث عنها قيل: ولقائل أن يقول: لا نسلم أنها في الأول جزء من الموضوع بل قيد لموضوعيته بمعنى أن البحث يكون عن الأعراض التي تلحقه من تلك الحيثية. وبذلك الاعتبار وعلى هذا لو جعلنا في القسم الثاني أيضا قيدا للموضوع لا بيانا للأعراض الذاتية على ما هو ظاهر كلام القوم لم يكن البحث عنها في العلم بحثا عن أجزاء الموضوع ولم يلزم للقوم ما لزم لصدر الشريعة - رحمه الله - من تشارك العلمين في موضوع واحد بالذات والاعتبار وأما الإشكال بلزوم عدم كون الحيثية من الأعراض المبحوث عنها في العلم ضرورة أنها ليست مما يعرض للموضوع من جهة نفسها وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه مثلا: ليست الصحة والمرض مما يعرض لبدن الإنسان من حيث يصح ويمرض فالمشهور في جوابه: أن المراد من حيث إمكان الصحة والمرض وهذا ليس من الأعراض المبحوث عنها والتحقيق أن الموضوع لما كان عبارة عن المبحوث عنه في العلم عن أعراضه الذاتية قيد بالحيثية على معنى أن البحث عن العوارض إنما يكون باعتبار الحيثية وبالنظر إليها أي: يلاحظ في جميع المباحث هذا المعنى الكلي لا على معنى أن جميع العوارض المبحوث عنها يكون لحقوها للموضوع بواسطة هذه الحيثية البتة. وتحقيق هذه المباحث يطلب من التوضيح والتلويح١.
وأما المسائل فهي القضايا التي يطلب بيانها في العلوم وهي في الأغلب نظريات وقد تكون ضرورية فتورد في العلم إما لاحتياجها إلى تنبيه يزيل عنها خفاءها أو لبيان لميتها لأن القضية قد تكون بديهية دون لميتها ككون النار محرقة فإنه معلوم الإنية أي: الوجود مجهول اللمية كذا في شرح المواقف وبعض حواشي تهذيب المنطق وقال المحقق التفتازاني - رحمه الله -: المسألة لا تكون إلا نظرية وهذا مما لا اختلاف فيه لأحد وما قيل من احتمال كونها غير كسبية فهو ظاهر.
ثم للمسائل موضوعات ومحمولات أما موضوعها فقد يكون موضوع العلم كقولنا: كل مقدار إما مشارك للآخر أو مبائن والمقدار موضوع علم الهيئة وقد يكون موضوع العلم مع عرض ذاتي كقولنا: كل مقدار وسط في النسبة فهو ضلع ما يحيط به الطرفان فقد أخذ في المسألة المقدار مع كونه وسطا في النسبة وهو عرض ذاتي. وقد يكون نوع موضوع العلم كقولنا: كل خط يمكن تصنيفه فإن الخط نوع من
١ كتابان في شرح كتاب تنقيح الأصول لصدر الشريعة، وقد وضع الأول التوضيح صدر الشريعة مؤلف التنقيح، والثاني التلويح وضعه السعد التفتازاني المتوفى سنة ٧٩٢هـ حاشية على توضيح صدر الشريعة.