للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التاسع: أن يعظم شيوخه ويجلهم ويكون لهم بمثابة الرقيق فقد قيل: إن للشيخ حقا مثل ما للأب بل أزيد لأن الشيخ سبب الحياة الدنيوية والأخروية والأب إنما هو سبب الحياة الدنيوية فقط والعلم حياة والجهل موت وقد قيل في تفسير الآية: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} إن المراد يخرج العالم من الجاهل والجاهل من العالم.

العاشر: أن لا ينظر وقد شارف على أول فائدة وقرب إلى معرفة أدنى مرتبة فيظن في نفسه الظنون ويخطر بباله أن قد فاز بالقدح المعلى وبلغ الغاية القصوى فالعلم محتاج إلى تقرير وثبت وإلا فهو قد اقنع نفسه بالجهل وهو لا يشعر وتعلق به قلة العقل بل وإن داوم على جمع العلوم ١ / ١٥١ وتلك العقيدة باقية فيه لا تظهر لعلمه فائدة ولا يعود عليه ذلك الطلب بعائدة بل يبقى ممحوق البركة ذاهب الرونق وكم قد شاهدنا ممن قبلنا وفي زماننا وكم قد حكت ذلك التواريخ في العالم.

الحادي عشر: أن لا يكون سؤاله ولا تكلمه إلا لأربعة أنواع:

إما لعدم فهمه لذلك.

أو أنه قد ظهر له اختلال في كلام المصنف ولكن لاعن مجازفة وتخيلات.

أو عدم معرفة لأصل البحث.

أو أنه قد ظهر له أن قد سبق إلى ذهن الشيخ غير ما دل عليه كلام المصنف فهذه أحوال الطالب. ولكل من العالم والطالب أحوال أخر لكن هذه أجلها وأشدها حاجة وأعظمها ماسة فإذا قام العالم بتلك الأحوال وقام الطالب بأحواله كان سبب السعادة والفوز.

وعلى فضل العلم والعلماء أدلة كثيرة واسعة تركتها اختصارا.

واعلم أن العلماء تتفاوت مراتبهم وأحوالهم وإن كان قد صدق عليهم مسمى العلم وأحرزوا تلك الأمور والتفاوت إنما هو بقوة الاستنباط وصحة قريحة الاجتهاد فالاجتهاد ملكة تحصل للعالم عند جمعه لتلك العلوم وقد لا تحصل فحصولها متوقف على جمع تلك العلوم ولا يلزم من جمعها حصولها لأنها كالآلة مثل آلة النجار فإنه قد يعرف كيفية النجارة ويتصورها ويجمع آلاتها ولا يمكنه أن يحكم الصناعة كلية الإحكام فالعالم قد يجمع جميع العلوم وتحصل له تلك الكيفية التي هي الملكة ولا يمكنه العمل بتلك الملكة أو يمكنه العمل في بعض ولا يمكنه العمل الكامل. ولذا كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يعرفون جميع ما قام بلسان العرب وعرفوا السنة والكتاب ولم يمكنهم ذلك مثل أبي هريرة وأمثاله وترى ابن عباس من صغار الصحابة وصار بحر الأمة وكانت له اليد الطولى والسهم المعلى وفي كل عصر هكذا فهي عطايا وحظوظ وقد عثر المتأخر على أدلة قد عجز عنها الأوائل وصنع في التصانيف مالا يقدر عليه الأماثل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وأما أسباب المهالك فهي أيضا كثيرة:

منها أن يريد أن يكون له بذلك العلم رفعة وشأنا وينظره الناس بذلك ويقال في حقه عالم أو نحرير أو مبرز لا يماري.

ومنها أن يكون ناصر البدعة سواء علم واستدام على ذلك عجرفة أو عرف ما هو الحق ولم يصغ

<<  <   >  >>