للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الممتنع، فإن عليه من الحرس واليزَك (١) ما لا يستطيع اللِّصُّ الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه، وكيف يستطيع اللِّصِّ الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق لِلّص إلا البيت الثالث، فهو الذي يشن عليه الغارات.

فليتأمل اللبيب هذا المثال حقّ التأمل، ولينزله على القلوب، فإنها على منواله.

فقلب خلا من الخير كله، وهو قلب الكافر والمنافق، فذلك بيت الشيطان، قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكناً ومستقراً، فأي شيءٍ يسرق منه، وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه؟.

وقلبٌ قد امتلأ من جلال الله - عز وجل - وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه، فأيُّ شيطان يجترئ على هذا القلب؟ وإن أراد سرقة شيء منه، فماذا يسرق، وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لابد له منها، إذ هو بشر، وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع.

وقلبٌ فيه توحيد الله تعالى، ومعرفته، ومحبته، والإيمان به والتصديق بوعده، وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع.

وقلبٌ بين هذين الداعيين. فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان، والمعرفة، والمحبة لله تعالى، وإرادته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي


(١) اليزك والحرس بمعنى.

<<  <   >  >>