للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنبي - صلى الله عليه وسلم - مهما يحصل له من السرور العظيم، وحلاوة مناجاة الله، تحصل له الراحة فيها؛ لكمال مناجاته لربه، واستحضاره لعظمته، والوقوف بين يديه؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قُمْ يَا بِلالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلاةِ) وفي لفظ: ((يَا بِلالُ أَقِمْ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا)) (١).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (( ... الصلاة إنما تُكفِّر سيئات من أدَّى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه، فهذا إذا انصرف منها وجد خِفّةً من نفسه، وأحسَّ بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً، وراحة، وروحاً، حتى يتمنَّى أنه لم يكن خرج منها؛ لأنها قُرَّة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها، فالمحبون يقولون: نُصلِّي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم، وقدوتهم، ونبيهم - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا بِلالُ أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ)) (٢)، ولم يقل: أرحنا منها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ)) (٣)، فمن جُعلت قرة عينه في الصلاة، كيف تقرّ عينه بدونها، وكيف يطيق الصبر عنها؟)) (٤).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((والمقصود أن ما تقرُّ به العين أعلى من مجرَّد ما يحبه، فالصلاة قُرّة عيون المحبين في هذه


(١) أبو داود، كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة، برقم ٤٩٨٥، و ٤٩٨٦، وأحمد في المسند، برقم ٢٣١٥٤، ٣٨/ ٢٢٥، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٣/ ٢٢٥.
(٢) أبو داود، برقم ٤٩٨٥، ٤٩٨٦، وأحمد ٣١٥٤، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
(٣) النسائي برقم ٣٩٤٠، وأحمد، برقم ١٢٢٩٣، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه.
(٤) الوابل الصيب، ص ٣٧.

<<  <   >  >>