(٢) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة الدين على المليء الباذل على أقوال: القول الأول: إن الدين على المليء الباذل لا زكاة عليه حتى يقبضه, فيزكيه لما مضى من الأعوام، فلا تلزمه زكاته حتى يقبضه ثم يؤدي لما مضى؛ لأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، روي ذلك عن علي - رضي الله عنه -، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي، وهو مذهب الحنابلة، ورجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله، قال: ((وإن شاء أدى زكاته مع ماله كل سنة, وهذا فضيلة وأسرع في إبراء الذمة، والأول رخصة)). القول الثاني: إن على صاحبه إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه, فلزمه إخراج زكاته: كالوديعة، وهو قول عثمان، وابن عمر وجابر - رضي الله عنهم -، وطاوس، والنخعي، وجابر بن زيد، والحسن، وميمون بن مهران، والزهري، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، ورجح هذا القول شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله. القول الثالث: إن الدين على مليء ليس فيه زكاة، روي عن عائشة، وابن عمر - رضي الله عنهم - وهو قول مجاهد؛ لأنه غير تام فلم تجب زكاته: كعروض القنية. القول الرابع: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، روي هذا القول عن سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء الخرساني، وأبي الزناد. قال المرداوي في الإنصاف: ((قوله: ومن كان له دين على مليء زكاه إذا قبضه، هذا المذهب وعليه الأصحاب، وعنه لا تجب فيه الزكاة فلا يزكيه إذا قبضه، وعنه يزكيه إذا قبضه أو قبل قبضه، وعنه يلزمه في الحال)). والراجح هو القول الثاني إن شاءالله تعالى وهو أن الدين على المليء الباذل يُزَكَّى كل سنة كالمال الذي باليد. انظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٦٩ - ٢٧٠، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٦/ ٣٢١ - ٣٢٢.