والثاني: نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها فلم يختلفوا في أن الجن يتناسلون ويموتون ومنهم مؤمن ومنهم كافر.
واختلف في الشياطين فزعم قوم أنهم كفار الجن يتناسلون ويموتون، وزعم آخرون أنهم غير الجن وأنهم من ولد إبليس، واختلف من قال بهذا في تناسلهم وموتهم فذهب فريق إلى أنهم يتناسلون ويموتون، وذهب آخرون إلى أنهم كإبليس لا يموتون إلّا معه وأن تناسلهم انقطع بإنظار إبليس إلى يوم يبعثون فإن أنكر قوم خلق الجن ولم يؤمنوا بالكتب الإلهية قهرتهم براهين العقول وحجج القياس لأن الله تعالى أنشأ خلق العالم من أربعة أجرام جعلها أصولا لما خلق من العالم الحي وهي الأرض والماء والهواء والنار، والعالم نوعان إتفاقا علوي وسفلي، فالعالم السفلي نوعان خلقهما من جرمين:
أحدهما: من الأرض وهو ما عليها من الحيوان.
والثاني: من الماء وهو ما فيه من السموك وهما هابطان لهبوط الأرض والماء وظاهران لظهور أصلهما واستمر القياس فيهما.
وبقي العالم العلوي جرمان: الهواء والنار وقد استقر خلق الملائكة من الهواء فاقتضى معقول القياس أن يكون خلق الجن من النار لتكون الأجرام الأربعة أصولا لخلق أجناس أربعة.
ولعلو الهواء كان عالمه من الملائكة علويا ولخفائه كان خفيا لا يهبط إلّا عن أمر إلهي ولا يعاين إلّا بمعونة إلهية.
ولعلو النار في أصل هابط كان لعالمه من الجن علو وهبوط ولخفاء كمونها خفي عالمها عن العيان إلّا بمعونة إلهية فصار اصلان من الأربعة محسوسين بالعيان وهما على الأرض وفي الماء وأصلان معقولين بالقياس وهما الملائكة والجن ولولا أن دافع ذلك عادل عن الدلائل الشرعية لما عدلنا إلى هذا الاستدلال الخارج عن البراهين الشرعية.