فاجتمعوا فيه فوقف عليهن يهودي، وفيهن خديجة فقال لهن: يا معشر نساء قريش يوشك أن يبعث فيكن نبي فأيتكن استطاعت أن تكون له أرضا فلتفعل فحصبنه ووقر ذلك في نفس خديجة حتى حققه الله لها فكانت أول من آمن به.
ومثله: أن جماعة من النصارى قدموا من الشام تجارا إلى مكة فنزلوا بين الصفا والمروة فرأوه وهو ابن سبع سنين فعرفه بعضهم بصفته في كتبهم وسمته في فراستهم فقال له من أنت وابن من أنت. فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال: من رب هذه، وأشار إلى الجبال، فقال: الله ربها لا شريك له. فقال له: من رب هذه وأشار إلى السماء، فقال: الله ربها لا شريك له.
فقال له النصراني: فهل له رب غيره فقال: لا تشككني في الله ما له شريك ولا ضد، فقام بالتوحيد في صغيره وفصح النصراني بخبره وأنذر بنبوّته.
ومثله: أنه كان في كفالة جده عبد المطلب وكان أحب إليه من جميع أولاده فلما حضرته الوفاة وصى به إلى عمه أبي طالب لأنه كان أخا عبد الله لأبيه وأمه وأنشأ يقول:
وصيت من كنيته بطالب ... عبد مناف وهو ذو تجارب
يا ابن الحبيب أكرم الأقارب ... يا ابن الذي مذ غاب غير آيب
فتقبل أبو طالب الوصية وكان قد سمع من راهب إنذارا فأنشأ يقول:
لا توصين بلازم واجب ... فلست بالآنس غير الراغب
بأن حمد الله قول الراهب ... إني سمعت أعجب العجائب
من كل حبر عالم وكاتب
ومات عبد المطلب بعد ثمان سنين من مولده فتكفله عمه أبو طالب وخرج به إلى الشام في تجاره له وهو ابن تسع سنين فنزل تحت صومعة بالشام عند بصرى وكان في الصومعة راهب يقال له بحيرا قرأ كتب أهل الكتاب وعرف ما فيها من الأنباء والإمارات، فرأى بحيرا من صومعته غمامة قد أظلت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس فنزل إليه وجعل يتفقد جسده حتى رأى خاتم النبوّة بين كتفيه وسأله عن حاله في منامه ويقظته، فأخبره بها فوافقت ما عنده في الكتب