يدعى لغير أبيه، وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع في حاجتنا.
وسمع الجرهمي الكلام فتعجب لقولهم وأتى أمه فسألها فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا ولد له فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا من نفسها كان نزل به فوطئها فحملت منه به، وسأل القهرمان عن الخمر، فقال: من كرمة غرستها على قبر أبيك، وسأل الراعي عن اللحم، فقال: شاة أرضعتها بلبن كلبة لأن الشاة حين ولدت ماتت ولم يكن ولد في الغنم شاة غيرها، فقيل لمضر: من أين عرفت الخمر ونباتها على قبر؟ قال: لأنه أصابني عليها عطش شديد، وقيل لربيعة: من أين عرفت أن الشاة ارتضعت على لبن كلبة، قال:
لأني شممت منه رائحة الكلب، وقيل لأياد: من أين عرفت أن الرجل يدعى لغير أبيه، قال: لأني رأيته يتكلف ما يعمله، ثم أتاهم الجرهمي وقال: صفوا لي صفتكم، فقصوا عليه ما أوصاهم به أبوهم نزار، فقضى لمضر بالقبة الحمراء والدنانير والإبل وهي حمر فسمي مضر الحمراء، وقضى لربيعة بالخباء الأسود والخيل الدهم فسمي ربيعة الفرس، وقضى لأياد بالخادمة الشمطاء والماشية البلق، وقضى لأنمار بالأرض والدراهم.
وهذا الذي ظهر في أولاد نزار من قوة الذكاء وحد الفطنة تأسيسا لتميزهم بالفضل واختصاصهم بوفور العقل مقدمة لما يراد بهم، ثم تفرقت القبائل منهم، فاختص ولد مضر بن نزار بالحرم فتميزوا بأنسابهم وتناصروا بسيوفهم «٢» حتى استولت قريش على الحرم بعد جرهم وخزاعة لأن جرهم كانوا جبابرة فبغوا وتجبروا حتى بعث الله تعالى عليهم الرعاف والنمل فأفناهم وأفضى أمرهم إلى عامر بن الحرث وهم القائلون:
واد حرام طيره ووحشه ... نحن ولاته فلا نغشه
فاجتمعت خزاعة ورئيسهم عمرو بن ربيعة بن حارثة على عامر بن ربيعة وبقية جرهم فأخرجوه من الحرم واستولت عليه خزاعة وولّي البيت عمرو بن ربيعة فقال: