للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدم صفوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال: يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني للقدوم عليك، فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل لك أن تسير أربعة أشهر» ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج قبل هوازن بحنين، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير أداة وسلاحا عنده، فقال صفوان: أطوعا أم كرها؟ قال: «بل طوعا» ، فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده.

وفي رواية يحيى: ثم رجع وهو غلط. والصواب ثم خرج- وكذلك سائر الرواة- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة، ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح، وكان بين إسلامهما نحوا من شهر «١» .

وفي مصنف عبد الرزاق عن بعض بني صفوان بن أمية قال: استعار النبيّ صلى الله عليه وسلم من صفوان عاريتين: إحداهما بضمان والآخرى بغير ضمان «٢» .

وفي السير وغيرها، وذكره ابن شعبان: أن العارية كانت مائة درع بما يكفيها من السلاح، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل. وفي كتاب النسائي: حملها على ثلاثين جملا «٣» ، وفي غير الموطأ: أن صفوان بن أمية قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله السلاح: أغصبا يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل عارية مؤداة» «٤» ، فأصحاب الكلام يرون العارية في ضمان المستعير حتى يؤديها إلى صاحبها وإن تلفت وعرف تلفها لم يسقط الضمان لظاهر الحديث.

ومالك- رحمه الله- وغيره أيضا يقولون: إذا قامت بينة بهلاك العارية سقط الضمان، فإن كانت مما لا يغاب عليه: كالحيوان، فلا ضمان عليه، وهو مصدّق في ادعاء التلف مع يمينه ما لم يظهر كذبه.

وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا صفوان هل عندك من سلاح؟» قال:

أعارية أم غصب؟ قال: «بل عارية» ، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لصفوان:

«إنا فقدنا من دروعك أدراعا فهل نغرم لك» ، فقال: لا يا رسول الله لأن في قلبي اليوم ما لم


(١) رواه مالك (٢/ ٥٤٣ و ٤٤٤) بلاغا وإسناده منقطع- قال ابن عبد البرّ: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح. وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهده هذا الحديث أقوى من إسناده. وقد روى بعضه مسلم.
(٢) رواه عبد الرزاق (١٤٧٨٩) وفيه جهالة الرجل. الراوي عنه معمر رحمه الله.
(٣) رواه النسائي (٥٧٧٦) و (٥٧٧٧) ، والدارقطني (٣/ ٣٩) من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
(٤) رواه الدارقطني (٣/ ٣٩ و ٤٠) من حديث يعلى بن أمية وهو حديث حسن.

<<  <   >  >>