للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحابه، فكلّمهم في أن يعينوه في دية الكلابيين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا:

نفعل يا أبا القاسم، وخلا بعضهم ببعض فتوامروا فيه وهموا بالغدر به، وقال عمرو بن جحاش النضيري: أنا أظهر على البيت، وأطرح عليه صخرة، وذكر غيره رحى فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا فو الله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بما همّوا به. قال غيره: نزل جبريل- عليه السلام- فأخبره فنهض مسرعا فتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: قمت ولم نشعر. فقال: «همّت يهود بالغدر فأخبرني الله عز وجل بذلك» ، وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن اخرجوا من بلدي لا تساكنوني، وقد هممتم بغدري وقد أجّلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» . فأقاموا أياما يتجهزون، وأرسل إليهم عبد الله ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم فإنّ معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون حولكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فطمع حيي فيما قال له وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا فافعل ما بدا لك. فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، فسار إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل رايته فلما رأوه قاموا على حصونهم ومعهم النبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة، وخانهم ابن أبيّ وحلفاؤهم من غطفان، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم فقالوا: نخرج من بلدك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نقبل ذلك. ولكن اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة» يعني السلاح، فنزلوا على ذلك وقبض النبيّ صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة، وكانت أموال بنو النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنوائبه ولم يخمّسها لأن الله عز وجل أفاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، فهذا جزاء بني النضير الذي قال الله عز وجل: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [البقرة: الاية ٨٥] . وقوله عز وجل: وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [الحشر: الاية ٥] «١» .

وأما قريظة فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين فحاصرهم خمسة عشر يوما، فأرسلوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن يرسل إليهم أبا لبابة فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إلى حلقه أنه الذبح، ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله فلم يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسار إلى المسجد، وارتبط بسارية ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته. ثم نزلوا على حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر بهم عليه السّلام محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية، واستعمل عليهم عبد الله بن سلام، فجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث فوجد فيها ألفين وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع وألف رمح وخمسمائة ما بين ترس وحجفة. ووجد عندهم جرار خمر فأهرق، ولم يخمّس، وكلّمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: أن يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم، فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل المقاتلة، وسبي النساء والذرية، وأن تقسم


(١) رواه ابن سعد في طبقاته (٢/ ٤٣ و ٤٤) ، وابن جرير الطبري (٢/ ٥٤٢) ، وابن هشام في السيرة (٢/ ١٧٤) باب أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع من حديث ابن إسحاق.

<<  <   >  >>