للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: لأن الله عز وجل فوّض إليه النظر في الخمس بالاجتهاد. ودليل آخر أن الاية نزلت في شأن خيبر والنضير فلم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤخر البيان فيه إلى يوم حنين وقاله بعد أن برد القتال، ولو كان أمرا متقدما لعلمه أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كبراء أصحابه فلم يطلب ذلك حتى أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم من ينادي من قتل قتيلا فله سلبه ولم يكن هذا ليخفى.

ودليل آخر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات أو شاهد ويمين.

وشيء آخر أنه لو وجب للقاتل ولم يجد بينة لكان توقف كاللقطة ولا يقسم وهو إذا لم تكن بينة تقسم، فخرج من معنى التملك، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذي يجعل في غير وجه. قال مالك: لم يبلغنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولا فعله في غير يوم حنين، ولا فعله أبو بكر ولا عمر. قال ابن الموّاز: ولم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه. وذكر عبد الرزاق في مصنفه أن البراء قتل مائة قتيل مبارزة سوى من شارك في قتله «١» .

وذكر البخاري: أن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين ضربا أبا جهل ابن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه، فانصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» «٢» . وفي غير البخاري أن عبد الله بن مسعود وجده وهو صريع يذبّ الناس عنه بسيفه فوطئ على رقبته فقال: هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. فضربه عبد الله بسيفه فلم يغن شيئا، فأخذ السيف من أبي جهل فاحتز به رأسه، وجاء به إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف. وكان الذي ضربه أولا معاذ بن عمرو بن الجموح، فقطع رجله وضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها، ثم ضربه معاذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه ابن مسعود- يعني أجهز عليه. وذفف بالذال المنقوطة- «٣» .


(١) رواه عبد الرزاق في المصنف (٩٤٦٩) ، وفي الإصابة (١/ ١٤٣) وهو حديث صحيح.
(٢) رواه البخاري (٣١٤١) ، ومسلم (١٧٥٢) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري مختصرا (٣٩٦١) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و (٣٩٦٢) من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه أحمد في المسند (٣٨٢٤) و (٣٨٥٦ و ٤٢٤٧) ، والبزار (١٧٧٥) ، والطبراني في الكبير (٨٤٦٩) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٧٩) وقال: رواه أحمد البزار باختصار وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه- وبقية رجاله رجال الصحيح.

<<  <   >  >>