وفي قوله:«على أن يعتملوها من أموالهم» دليل على ألايعين رب الأرض العامل ولا يجعل زريعة للبياض.
وقال مالك: المساقاة جائزة في كل أصل له ثمرة مثل: النخيل، والأعناب، والتين، والزيتون، والرمان، والفرسك، والجوز، واللوز، والورد، وشبه ذلك. وعلى ما اتفقا من الجزء. قال الشافعي: لا تجوز المساقاة إلا في النخيل، والكرم خاصة على النصف لأن في ذلك الخرص. وللشافعي قول آخر: أنها تجوز المساقاة في كل أصل ثابت.
وقال أبو حنيفة: لا تجوز المساقاة أصلا لأنها أجرة مجهولة. وخالف في ذلك فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر في خيبر، واحتج بأن أهل خيبر حين افتتحت كانوا كالعبيد، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين الأجنبي، والحجة أيضا على أبي حنيفة أنهم لم يكونوا عبيدا لأنهم أقروا على المساقاة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من أيام عمر، حتى أجلاهم. ولم يباعوا، ولا عتقوا، ولم يرو أحد من أهل الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ من أهل خيبر جزية أم لا، إلا أن نزول براءة كان بعد خيبر، فيدل ذلك أنه أخذ منهم الجزية والله وأعلم.
والحجة على الشافعي في منعه المساقاة إلا في النخل والكرم مساقاة النبيّ صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على نصف ما يخرج منها: من زرع أو ثمر. فمنع الشافعي المساقاة في الزرع لأن الأرض تكرى بما يخرج منها، وفيه النص، وأجازها في الكرم ولا نص فيه قياسا على النخل وجمهور العلماء على خلافه. في كتاب مسلم: ومن خيبر كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق: ثمانين من تمر وعشرين من شعير «١» .
قال مالك: وكان بياض خيبر يسيرا بين أضعاف السواد. قال مالك في الواضحة: وهو يسير إلى اليوم. قال مالك في المدونة وغيرها: أحب إليّ أن يلغي البياض للعامل، وهو أحله.
فإن قال قائل: لم قال مالك إلغاء البياض للعامل أحل. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من أهل خيبر النصف من الثمر ومن الزرع؟ قيل له: إنما ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة وهي:
اكتراء الأرض بالحنطة، فخشي مالك أن يكون هذا النهي بعد قصة خيبر: وإنما يؤخذ من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحدث فالأحدث، فإذا ألغي البياض للعامل ارتفع الإشكال وإن كان البياض بينهما فهو جائز على ما فعله بخيبر. قاله محمد بن دحون عن الأصيلي: حدثني بذلك أبو عمرو وابن القطان- رحمهم الله- جميعهم.
وفي البخاري ومسلم: أن كعب بن مالك تقاضى من عبد الله بن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته- فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال:
(١) رواه مسلم (١٥٥١ و ٢) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.