للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبين لك ابن الجوزي هذا فيقول: " ما رأيت مشتتًا للهم، مبدداً للقلب مثل شيئين:

أحدهما: أن تطاع النفس في طلب كل شيء تشتهيه، وذلك لا يوقف على حد فيه، فيُذْهِبَ الدينَ والدنيا، ولا ينال كل المراد.

مثل أن تكون الهمة في المستحسنات، أو في جمع المال، أو في طلب الرياسة، وما يشبه هذه الأشياء. .

فياله من شتات لا جامع له، يذهب العمر ولا ينال بعض المراد منه.

والثاني: مخالطة الناس خصوصًا العوام والمشي في الأسواق، فإنَّ الطبع يتقاضى بالشهوات، وينسى الرحيل عن الدنيا، ويحب الكسل عن الطاعة، والبطالة والغفلة والراحة، فيثقل على من ألف مخالطة الناس التشاغل بالعلم أو العبادة، ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة وتضيع الساعات في غير شيء.

فمن أراد اجتماع همه فعليه بالعزلة بحيث لا يسمع صوت أحد، فحينئذ يخلو القلب بمعارفه، ولا تجد النفس رفيقاً مثل الهوى يذكرها ما تشتهي.

فإذا اضطر إلى المخالطة كان على وفاق، كما تتهوى الضفدع لحظة ثمَّ تعود إلى الماء، فهذه طريق السلامة، فتأمل فوائدها تطِبْ لك ". (١)


(١) صيد الخاطر ص (٤٨٩، ٤٩٠).

<<  <   >  >>