اعلم ـ أعزك الله ـ أنَّ تعلم الآداب وحسن السمت مطلب شرعي قلَّ في الناس الآن من يلتفت إليه، بل البلايا العظام لم تتوالَ علينا إلا يوم هجر الناس السمت الحسن، وأقبلوا على العلم ولم يزينوه بحليته الواجبة، فظهرت الأقوال الشاذة، وكثرت الصراعات والخلافات، فلم نجنِ للعلم ثمرة، وندر في الناس أهل العلم والفضل.
وقال ابن المبارك ـ رحمه الله ـ: طلبت العلم فأصبت منه شيئًا، وطلبت الأدب فإذا أهله قد بادوا.
وهذا في زمانه ـ رحمه الله ـ زمان " خير القرون "، فكيف به إذا رأى زماننا هذا؟
ولما تغافل الناس عن الاهتمام بالآداب الشرعية ظهر الالتزام الهش، وصار الإقبال على المفضول، وتُرك الفاضل، وظهرت الانحرافات الفكرية والسلوكية والأخلاقية؛ لأنَّ تلك الآداب ـ في حقيقة الأمر ـ حصن الالتزام والإيمان الأول فإذا تركت ترك السنن والفرائض ونقضت عرى الإيمان الواحدة تلو الأخرى.