للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعوام، وذكر الطبري شروط هذا الصلح بقوله: "أما سائر مدن الشام ومصر، فإن يخطيانوس "جستنيان" أتباعها من كسرى بأموال عظيمة حملها إليه، وضمن له فدية يحملها إليه في كل سنة، على أن لا يغزو بلاده، وكتب لكسرى بذلك كتابًا، وختم هو وعظماء الروم عليه، فكانوا يحملونها إليه في كل عام"١.

والواقع أن هذا الصلح لم يستمر طويلًا، إذ إن نشوب الاضطرابات في أرمينية كان السبب المباشر في نقضه، فاستؤنفت العمليات العسكرية، واجتاحت القوات البيزنطية بقيادة الإمبراطور جستنيان بلاد ما بين النهرين، وأراضي ملطية٢ في عام ٥٧٢م، ورد كسرى الأول باجتياز الفرات في الاتجاه الآخر مستفيدًا من ضعف وسائل الدفاع البيزنطي، وفتور العلاقات البيزنطية مع الغساسنة، فوصل إلى أفامية، فأحرقها وعاد أدراجه دون أن يصادف مقاومة، فيما كان الجيش البيزنطي يحاول عبثًا محاصرة نصيبين، ثم انسحب إلى ماردين٣ متخليًا عن دارا، واجتاح الفرس وادي الخابور الأعلى، واتجهوا إلى كبادوكيا، ثم انسحبوا من المنطقة٤.

تجدد القتال بعد ذلك، حين اضطهد كسرى الأول النصارى البلازيين في القوقاز، وعقد الصلح في عام ٥٦١ أو ٥٦٢م لمدة خمسين عامًا، وتضمن البنود التالية:

- تعهد الإمبراطور البيزنطي بأن يدفع سنويًا مبلغًا كبيرًا من المال لفارس.

- وعد ملك الفرس بالمضي في سياسة التسامح الديني مع النصارى بشرط أن يمتنعوا عن تحويل الناس عن عقائدهم إلى النصرانية.

- يتحتم على التجار من كلا الطرفين ألا يباشروا تبادل تجاراتهم إلا في أماكن معينة، حيث يجري تحصيل المكوس.

- يتخلى الفرس للبيزنطيين عن لاذيق، وهو الإقليم الواقع جنوب شرقي البحر الأسود، وبذلك لم يعد للفرس موضع على ساحل هذا البحر.

ولهذه الحقيقة أهميتها من الناحيتين السياسية الاقتصادية، مع ذلك فإن قوة الدولة الفارسية ازداد شأنها في الشرق الأدنى حين أخذ نجم بيزنطية في الأفول في هذه الجهات٥.


١ تاريخ الرسل والملوك: ج٢ ص١٢٢.
٢ ملطية: بلدة من بلاد الروم ومشهورة مذكورة تتاخم الشام، الحموي: ج٥ ص١٩٢.
٣ ماردين: قلعة مشهورة على قنة جبل الجزيرة، مشرفة على دنيس ودارا ونصيبين، المصدر نفسه: ص٣٩.
٤.Deveeresse: pp ٢٩٥-٢٩٧
٥ Bury: II pp ١٢٠-١٢٣. Vasiliev: p ١٣٩. Ostrogorsky: p ٦٦.

<<  <   >  >>