للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استمر النشاط الحربي ناشطًا على الرغم من توقيع معاهدة الصلح، فقد اغتنم الفرس القطيعة التي حصلت بين البيزنطيين، والغساسنة في عام ٥٧٥م لشن هجمات على بلاد الشام، ورد البيزنطيون بقيادة موريس بمهاجمة بلاد ما بين النهرين، وطارد الفرس حتى سنجار، واستؤنفت مفاوضات السلام مرة أخرى. وفيما كانت معاهدة جديدة قيد الإعداد، مات جستنيان في شهر تشرين الأول عام ٥٧٨م، ثم مات بعده كسرى الأول في شهر آذار عام ٥٧٩م، تلا ذلك سلسلة من المعارك غير الحاسمة حتى عام ٥٩١م، حيث عقد الصلح من جديد.

وبفضل ما اشتهر به موريس من المهارة السياسية، استغل لجوء كسرى الثاني أبرويز إلى القسطنطينية لطلب المساعدة ضد حركة التمرد الداخلي التي قامت ضد حكمه، ونتيجة لهذا التعاون، نجح كسرى الثاني في استعادة عرشه، وتنازل لبيزنطية مقابل هذه المساعدة عن أرمينية الفارسية، والجزء الشرقي من إقليم الجزيرة بما في ذلك مدينة دارا، ولم تنطو المعاهدة على شرط دفع الجزية السنوية الذي كان يعد بمثابنة إهانة للدولة البيزنطية١.

ولا شك بأن كسرى الثاني كان مسرورًا بنقضها حين قتل موريس على يد فوقاس في عام ٦٠٢م، والواقع أن الإطاحة بهذا الإمبراطور، وإعدامه قد مزق الإمبراطورية، فتراجعت قوتها العسكرية، ولم تستعدها خلال العقود الثلاثة التي تلت ذلك، وقد شكلت مرحلة جديدة، وقاسية في القرن السابع الذي برزت فيه خطوة التبدل المتسارعة في بلاد الشام إن على يد الفرس، أو على يد المسلمين بعد ذلك، ومن الخطأ الاعتقاد أن موريس كان الإمبراطور القادر على إعادة تنظيم الولايات الشرقية، وتطوير علاقات سياسية مع فارس، والقبائل العربية، على الرغم من مهارته السياسية، فثمة فجوات متعددة في سياسته مع العرب تشير إلى أن قراراته كانت غير فاعلة.

لكن بيزنطية لم تكن قد وصلت آنذاك إلى مراحل شيخوختها، مع أن التبدل التنظيمي كان يسير في خطى بطيئة في الإمبراطورية، واستمر على هذه الحال حتى أوائل القرن السابع، عندما أخذت خطوات التبدل في التسارع بفضل إصلاحات الإمبراطور هرقل.

وكشفت الغزوات الفارسية التي تلت ذلك في أيام كسرى الثاني أبرويز عن مواطن الضعف في الإمبراطورية، فالانهيار الواقعي للجيوش البيزنطية بين عامي ٦١٠.


١ العريني، السيد الباز: الدولة البيزنطية ص١٠٤، ١٠٥.

<<  <   >  >>